إذا ما رغبت الدولة فى التحول إلى السوق الحر، واتباع برنامج للإصلاح الاقتصادى، فسيستلزم ذلك اتباع مجموعة من الإجراءات الإصلاحية، عرفت بمبادئ واشنطن، وشملت الحد من التدخل الحكومى فى الشئون الاقتصادية، والحد من الإنفاق الحكومى العشوائى والتحول من الدعم النقدى إلى الاستثمار فى البنية التحتية والبشرية، والسيطرة على معدلات التضخم، والعمل على إحلال الواردات وتشجيع الصادرات، وفتح الأبواب أمام الاستثمار الأجنبي، وتشجيع الخصخصة، وهو الأمر الذى سيقود إلى دعم حرية الأسواق.
وتستهدف تلك المبادئ فى مجملها تقوية اقتصاد الدولة، وخلق بيئة تنافسية، ومن ثم يعود بالنفع على المواطن، من خلال حصوله على السلعة بجودة وسعر مقبول؛ نظراً إلى أن المُنتِج سيخشى فقدان حصته السوقية إذا ما بالغ فى أرباحه، فحرية السوق ستتيح دخول منتجين آخرين يقدمون منتجاتهم بأسعار متميزة، ليستحوذوا على نصيب أكبر من السوق فى حالة المبالغة السعرية.
وإذا ما رغبت الدولة فى تطبيق سياسة الإصلاح الاقتصادى وحرية الأسواق، فإن الأمر سيتطلب حرية التجارة، بمعنى عدم وضع عوائق أمام الاستيراد، وفى ذات الوقت تشجيع الإنتاج المحلى بحيث يصل إلى الجودة والسعر اللازمان لتحقيق التنافسية العالمية، والتى ستتم ترجمتها فى زيادة الصادرات.
لكن يبقى السؤال وهو هل تحرير التجارة أمر إيجابى بالنسبة للدول النامية؟، لتأتى الإجابة من خلال أهم نقد للسياسات المنبثقة من اتفاق واشنطن من داخل البنك الدولى على يد جوزيف استجلتز Stiglitz Joseph، والذى تحدث عن عجز توصيات السياسات الليبرالية الجديدة وعن فشل الاتفاق وسجل انتقادات حادة من أهمها أن هذه السياسات كانت محدودة المدى أو ضيقة الأفق؛ حيث اعتبرت الخصخصة وتحرير التجارة وتقليص دور الدولة أهدافاً فى حد ذاتها، وليست وسائل لنمو مطرد، وأكد ستيجلتز، أن تحرير الاقتصاد يحتاج إلى بنية تحتية مؤسسية مساندة والتى بدونها يمكن أن تؤدى تلك الإصلاحات إلى نتائج سلبية على المواطنين حيث تضعهم تلك السياسات تحت غلاة الرأسماليين وأقطاب القطاع الخاص.
لنصل إلى نتائج مؤكدة وهى مغالاة المنتجين فى أسعار السلع والخدمات المقدمة، لتتعظم أرباحهم بصورة كبيرة، مستغلين ضعف مؤسسات الدولة الرقابية.
وعلى جانب آخر، ونظراً إلى عدم نضج الصناعات الوطنية، تلجأ بعض الدول إلى فرض سياسة اقتصادية لتقييد حرية التجارة، من خلال رفع الرسوم الجمركية على السلع المستوردة، وتحديد كمياتها، وتحديد الحصص التقييدية، وهى إجراءات تهدف فى مجملها إلى حماية السوق الداخلية من المنافسة الخارجية، وتشجع على استهلاك المنتجات المحلية.
أحترم سياسات الإصلاح الاقتصادي، فهى تهدف فى مجملها إلى تنمية اقتصاد الدولة، لكن احترامى لها يتوقف على جاهزية مؤسسات الدولة لحرية الأسواق، واستعداد الصناعات الوطنية للمنافسة، وإلا ستصبح أسواق الدول النامية التى لا يتوفر لديها قطاعات صناعية تنافسية مرتعاً لمنتجات الدول المتقدمة، وحتى وإن توفرت لديها بعض الصناعات الوطنية، ستكون المغالاة فى الأسعار وتعظيم الأرباح هدفاً رئيسياً، مستغلين فى ذلك قدرتهم فى التأثير على صناع القرار، متخذين الوسائل الحمائية أداة لتعظيم مكاسبهم.
لذا أرى فى حالة التزام الدولة باتفاقيات تحرير التجارة، فى إطار اتباع برنامج الإصلاح الاقتصادي، يكون على الدولة تحديد عدد من القطاعات الصناعية التى يجب أن تعمل على تحسين جودتها الإنتاجية ليتم تقديم منتجات تلك القطاعات بأسعار تستطيع المنافسة محلياً وعالمياً، أما فى حالة التوجه إلى فرض سياسات حمائية، فيكون على متخذى القرار، النظر أولاً إلى أسعار المستهلكين، والإجابة عن سؤال من سيستفيد من تلك السياسات الحمائية؟ ومدى تأثير تلك السياسات على التنمية الاقتصادية ككل؟ فمن الممكن أن يكون هناك استغلال لضعف الأجهزة الرقابية، لتكون السياسات الحمائية وسيلة مساعدة إضافية لاحتكار الأسواق، والمغالاة فى أسعار المنتجات المقدمة، ليكون المواطن هو الخاسر الأول.
لذا على متخذى القرار أن يبحثوا عن التحرير الرشيد، وإذا ما أقبلوا على فرض سياسات حمائية، فعليهم أن يتحلوا بالعقلانية.
د. شيماء سراج عمارة
[email protected]