برنامج الإصلاح الاقتصادى يتطلب حرية السوق، بمعنى أن تتم إزالة العوائق أمام دخول أو خروج المستثمرين من السوق المحلية، وبالتالى يستهدف الانسحاب التدريجى للحكومة من إدارة الأنشطة الاقتصادية، لتركز على الجوانب التشريعية والرقابية المرتبطة بالأسواق، وذلك كى نضمن تحقق الكفاءة الاقتصادية، ليصبح دور البورصة فى إطار برنامج الإصلاح الاقتصادى هو جذب المزيد من الاستثمارات سواء أكانت محلية أو أجنبية، ومن ثم إتاحة الفرص لخلق السيولة إذا ما رغب المستثمر فى ترك السوق المحلية.
فالبورصة يتم من خلالها تداول الأوراق المالية سواء أكانت أسهماً أو سندات تصدرها مؤسسات الأعمال، لتصبح البورصة أداة فعالة لتوسيع قاعدة الملكية لتلك المؤسسات إذا ما أقدمت على طرح أسهم ملكية، أو طرقت أبواب الاقتراض من خلال طرح السندات، فهى المكان الذى تلتقى فيه قوى العرض والطلب للمتاجرة برؤوس الأموال على اختلاف أنواع الأوراق المالية المتداولة، لتصبح الفضاء الذى يلتقى فيه الأعوان الاقتصاديون ذوو العجز المالى والذين هم فى حاجة للأموال مع من لديهم فائض ويسعون لاستثمار أموالهم.
لتصبح البورصة أداة لتمويل الاقتصاد عن طريق جذب المدخرات، فتضمن للمؤسسات الموارد المالية على المدى الطويل، فتعمل على توجيه الفوائض للمؤسسات الاقتصادية ذات العجز فى التمويل أو التى تريد توسيع نشاطها من أجل المساهمة فى التنمية وتطوير هذه المؤسسات الاقتصادية، وهو الأمر الذى ينعكس على النمو الاقتصادى للدولة ككل.
كما تعتبر البورصة أداة لتقويم الشركات والمشروعات من خلال متابعة مؤشراتها المختلفة الناتجة عن العرض والطلب على الأدوات المالية المطروحة، فإذا ما سجلت مؤشراتها ارتفاعاً فمعنى ذلك تزايد الإقبال على شراء الأدوات المالية المطروحة؛ نظراً إلى توقع جنى أرباح أعلى من معدلات الفائدة البنكية، وإذا ما سجلت مؤشراتها انخفاضاً، فهذا يعنى تزايد حركة البيع هرباً من تحقيق مزيد من الخسائر.
ووفقاً للهدف من البورصة فكل شركة يجب أن يكون لديها خطة اقتصادية تطويرية تستهدف تحقيقها قبل أن تقدم على طرح أسهمها أو تطلب الاكتتاب فى سنداتها، وبناءً على تلك الخطة يكون إقبال المستثمرين على الشراء، وكلما كان طرح الأوراق المالية فى تزايد وفقاً لخطط اقتصادية تطويرية معلنة من تلك الشركات، انعكس ذلك على مؤشرات البورصة إيجابياً، ومن ثم انتعاش الحالة الاقتصادية للدولة التى تعتمد على اقتصاديات السوق الحر، ويتطلب الأمر التوسع فى قيد الشركات بالبورصة، وتزايد عدد المقيدين المتعاملين بيعاً أو شراءً على اﻷدوات المالية المطروحة من قبل تلك الشركات، كى تكون فعلاً “البورصة مرآة الاقتصاد”.
وإذا ما انتقلنا إلى وضع البورصة المصرية، فسنجد أن عدد الشركات العاملة فى القطاعين الصناعى والخدمى يصل إلى حوالى مائة ألف شركة، ويبلغ رأسمالها المصدر حوالى 600 مليار جنيه، فى حين أن عدد الشركات المقيدة فى البورصة المصرية لا يتجاوز 280 شركة، وهو ما يمثل نسبة 0.28% من إجمالى الشركات العاملة فى السوق المصرى، ويصل حجم إصداراتها 150 مليار جنيه، ويمثل هذا الرقم 3.5% فقط من إجمالى الناتج المحلى الإجمالى المصرى عام 2017- 2018، وبالتالى فهى نسبة ضئيلة لا يمكنها أن تعبر عن حجم الاقتصاد المصرى سواء بالنسبة لعددها وقيمة رأسمالها المصدر، أو نسبتها من الناتج المحلى الإجمالى.
وبالنسبة إلى عدد المقيدين فى البورصة المصرية والذين يحق لهم التداول فيصل عددهم إلى 2 مليون، فى حين أن المتعاملين النشطين لا يتجاوز عددهم نصف مليون فرد وفقاً للأكواد الخاصة بالعملاء المقيدين بسوق الأسهم والتى تقوم بإصداره شركات الوساطة المالية.
فإذا ما قارنا رقم المستثمرين النشطين فى البورصة مع إجمالى من يحق لهم التعامل مع البورصة فستصل النسبة إلى حوالى 0.9%؛ حيث يصل إجمالى عدد من يحق لهم التعامل مع البورصة والجهاز المصرفى من المصريين إلى حوالى 54 مليون نسمة، فى حين أن المتعاملين النشطين فى البورصة لا يتجاوز عددهم نصف مليون فرد مصريين وأجانب، وبالتالى تلك النسبة قد تقل عن 0.9% إذا ما حذفنا الأجانب المتعاملين. وقد يرجع ذلك إما بسبب ضعف ثقافة الاستثمار فى البورصة لدى المجتمع المصري، وإما بسبب انخفاض معدلات الادخار.
وفى كل الاحوال، سنصل إلى نتيجة واحدة، ألا وهى أن “بورصتنا مش مرآة لاقتصادنا”.
أضيف إلى ذلك أننى أرى أن انخفاض مؤشرات البورصة، وعدم اتفاقها مع مؤشرات أداء الاقتصاد، قد يرجع سببه الرئيسى إلى أن التداول فى البورصة أساسه “سياسة إخطف وإجرى” ومحاولة الوصول إلى المكسب السريع غير المبنى على قرارات استثمارية مدروسة،وهو الأمر الذى يحتاج إلى إعادة تقييم وإيجاد أساليب للمعالجة لتتفق منظومة العمل فى البورصة وأهدافها مع خطوات برنامج الإصلاح الاقتصادى والغرض منه فى الوصول إلى التنمية الاقتصادية المنشودة، وإلا فلن تكتمل أركان السوق الحر.
د/ شيماء سراج عمارة
خبير اقتصادي
[email protected]