اعتدنا المرحلة الماضية على أخبار الحرائق الضخمة التى تلتهم الممتلكات والأرواح سنويًا، خصوصا فى مناطق الموسكى وباب الشعرية، خصوصا مصانع الأحذية والملابس الجاهزة التى تقع داخل الكتل السكنية فى الأزقة الضيقة التى يصعب معها دخول سيارات إطفاء الحرائق ما يزيد من الخسائر.
ويأتى ذلك نتيجة عدم التزام تلك الورش بمعايير الأمن الصناعى لحماية المنشآت والعاملين بها من تلك الحرائق.
وبداية الشهر الحالى فى حارة اليهود بمنطقة الموسكي، امتدت النار فى محل عطور، والتهمت أربعة طوابق، وغيرها من الحرائق السنوية فى نفس المنطقة، لعدم وجود رقابة على هذه المنشآت تلزمهم بضوابط الأمن الصناعي.
قال مصدر حكومى بإحدى الجهات الرقابية، فضّل عدم نشر اسمه، إنهم تقدموا بمشروع قانون إلى مجلس النواب العام الماضى لضم القطاع غير الرسمى ودمجه فى المنظومة الرسمية.. لكن لم يتم اتخاذ أى خطوة نحو تحقيق هذه الأمر.
وأضاف لـ«البورصة»، أن مشروع القانون يتضمن تشديد الرقابة على تداول مستلزمات الإنتاج واقتصارها على المصانع المرخصة، بحيث يحظر بيع الخامات ومستلزمات الإنتاج لغير المصانع المرخص لها، فضلًا عن حظر تداول أو بيع أى منتج إلا لمنتجات المصانع المرخصة، على أن يتحمل تاجر الجملة والتجزئة مسئولية بيع المنتج المغشوش مجهول المصدر.
أشار إلى صعوبة الرقابة على المصانع غير المرخصة لعدم قدرة تلك الجهات على تتبعها، خصوصا فى المناطق العشوائية، واستمرار المصانع غير الرسمية يكبد المنشآت الرسمية خسائر؛ نتيجة تحمل الأخيرة رسوما وتكاليف مرتفعة تجعلها غير قادرة على الاستمرار أمام منتج (بئر السلم)، إذ يوجد حاليا نحو 40 ألف منشأة غير رسمية تم إغلاق نحو 20% منها.
وأضاف: «بعد صدور التراخيص الصناعية اتضح أن المخالف هو الذى يصر على العمل فى الظلام، وهنا يأتى دور الجهات الرقابية، للتشديد على تداول وإتاحة مستلزمات الإنتاج لأنه بمثابة (الرئة) التى يتنفس منها الصانع.. فإذا أغلقت لم يعد أمامه وسيلة للاستمرار».
وأكد أهمية تشديد الرقابة على تداول السلع فى الأسواق للتصدى للمنشآت التى تحصل على مستلزمات الإنتاج بطرق ملتوية، وبذلك سيتم غلق الشرايين الأساسية لهذا القطاع سواء فى (مستلزمات الإنتاج أو التسويق).
وقال محمد المهندس، رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات، إنه يجب جذب القطاع غير الرسمى للانضمام للمنظومة الرسمية من خلال إعطائه مميزات تكون دافعة له.
وأشار إلى أن المزايا يجب أن تكون متوفرة من خلال توفير قروض بفائدة ميسرة، وتوفير أراض صناعية بأسعار رمزية، فضلاً عن توفير المرافق فى المناطق الصناعية.
ولفت إلى أن نسبة القطاع غير الرسمى بقطاع الصناعات الهندسية تصل إلى %40_ معظمها يندرج تحت مستلزمات الإنتاج_ التى تدخل فى تصنيع المنتجات، وهى صناعات صغيرة وورش معظمها فى تشكيل المعادن، ومكونات ومدخلات إنتاج الأجهزة المنزلية.
وقال أسامة الطوخي، عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الجلود والمنتجات الجلدية باتحاد الصناعات المصرية، إن انعدام الأمن الصناعى فى الورش العاملة بالقطاع تسبب فى وفاة بعض العمال بمنطقة باب الشعرية خلال السنوات الماضية.
وأضاف لـ»البورصة»، أن هذه الورش تستخدم مواد شديدة الاشتعال منها البنزين و»الكولا».. ولذلك يجب إدراجها فى القطاع الرسمى لتشديد الرقابة والأمن الصناعى عليها وتفادى الحرائق والكوارث التى تهدد حياة الأفراد، خصوصاً فى ظل وجود معظمها داخل الكتل السكنية.
وأوضح أن مدينة صناعة الجلود التى تعتزم الغرفة إنشاءها بالتعاون مع شركات تطوير صناعى ستساهم فى تحفيز أصحاب تلك الورش على الانتقال من المناطق السكنية إلى المدينة الجديدة.
وسيكون تمويل المدينة الجديدة ذاتياً من الشركات التى ستشارك فى المشروع، من خلال دفع ما بين 25 و%30 من سعر الوحدة بالتعاون مع البنوك، وتقسيط باقى قيمة الوحدة، فى حين تبلغ التكلفة الاستثمارية للمشروع نحو 640 مليون جنيه.
ويقام المشروع على مرحلتين، تضم الأولى 460 مصنعاً وورشة، والثانية 540 مصنعاً وورشة، على أن يكون الانتهاء من المشروع كاملاً خلال 5 سنوات، فى حين ستتراوح مساحات الورش بين 100 و200 و300 متر، كى تلبى احتياجات جميع المستثمرين.
قال الطوخي، إنه بجانب انعدام الأمن الصناعى فى تلك الورش، فإنها تتسبب أيضًا فى انخفاض القدرة التنافسية للمصانع الرسمية لأنها تدفع ضرائب وجمارك وغيرها من المتطلبات بعكس مصانع القطاع الموازى، مما يؤدى فى النهاية إلى انخفاض المبيعات مقارنة بمنتجات المصانع غير المرخصة.
وأشار إلى أن الغرفة حاولت خلال المرحلة الماضية تحفيز الورش غير الرسمية على الانضمام للقطاع الرسمى عبر تحفيزها بتسهيل وتذليل جميع العقبات أمامها.. لكن دون جدوى.
وتابع: «تلك الورش تعتقد أن العمل فى الظل بعيدًا عن أعين الحكومة سيحميها من دفع الضرائب والمستحقات الحكومية».
وقال محمد فكرى عبدالشافى، رئيس شعبة المنظفات بغرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات، إن إعداد بعض أنواع المنظفات السائلة لا يتطلب سوى حجرة صغيرة وعدة براميل وبعض الكيماويات.
وأضاف أن سهولة إعداد منظفات سائلة رغم خطورتها فى ظل انعدام الأمن الصناعي، تسبب فى ارتفاع أعداد تلك الورش الصغيرة فى الأحياء والمناطق الشعبية، مشيرًا إلى أن المنظفات تعد من أكثر المنتجات التى تؤثر على صحة الإنسان حال عدم اتباع المواصفات القياسية فى عملية التصنيع.
وطالب بتشديد رقابة الجهات المعنية على تلك الورش لغلقها.
أكد عبدالشافى، أن التخلص من القطاع غير الرسمى فى قطاع المنظفات يتطلب أمرين رئيسيين وهما إخضاع المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر إلى ضريبة قطعية لتشجيع الورش العاملة فى الاقتصاد الموازى على الانضمام إلى القطاع الرسمي.
وأضاف أن المطلب الثانى هو إجراء تعديل تشريعى لنقل المنظفات من سلع الجدول إلى ضريبة القيمة المضافة، لخفض السعر على المستهلك النهائي، بجانب زيادة قدرة المصانع على منافسة المصانع غير الرسمية فى الأسعار فى ظل عدم دفعم لأى مستحقات حكومية.
وأوضح أن إدراج المنظفات ضمن السلع العادية التى تبلغ ضريبة القيمة المضافة عليها %14، يسمح بخصم الضريبة على مدخلات الإنتاج من إجمالى الضريبة، بعكس إدراجها ضمن سلع الجدول التى لا تسمح بالخصم وترفع الضريبة إلى %19، ومن ثم زيادة التكلفة على المصانع وبالتالى السعر النهائى.