خلال السنوات الثلاث الماضية وتحديدا منذ الإعلان عن برنامج الطروحات الحكومية ؛ منى المستثمرين أنفسهم بأوراق مالية جديدة تساهم فى زيادة عمق سوق المال وتدفقات السيولة، ورغم ما حملته البورصة من قيد وطرح 15 شركة منذ عام 2016 وحتى ديسمبر الماضى، إلا أنها فقدت نفس العدد من الشركات المقيدة على الرغم من أن رؤوس أموال الشركات التى تم قيدها كانت أعلى كثيراً من الشركات المشطوبة.
وتنوعت أسباب شطب الشركات ما بين عروض الاستحواذ أو قرار مجلس إدارة الشركة أو المساهم الرئيسى بالخروج بها من السوق فى ظل ضعف السيولة الذى أصاب البورصة لفترات طويلة على مدار السنوات الثلاث الماضية إلا فى بعض الاستثناءات التى ارتفعت فيها قيم التداولات لمستويات أعلى من مليار جنيه.
أرجع محمد عسران العضو المنتدب لشركة ايفا لتداول الأوراق المالية، السبب إلى تنافى الغرض من القيد، حيث إن الشركات المقيدة فى البورصة تسعى إلى تنويع مصادر التمويل بعيداً عن البنوك وهو من المفترض ما توفره البورصة، لافتا إلى أن ضعف السيولة فى السوق، وعدم قدرة السوق على توفير السيولة اللازمة للشركات المقيدة، ينفى الغرض من القيد ويدفعها للتخارج للتخلص من عبء الإفصاحات واﻹجراءات الملزمة من قبل البورصة.
وأضاف عسران، أن معظم التخارجات التى حدثت فى الفترة الأخيرة كانت فى بورصة النيل، موضحاً أن الإجراءات الرقابية من وقف تداول أسهم، والاتهام بالتلاعب، ناهيك عن التحقيقات والافصاحات التى تمت فى بورصة النيل، وهو ما حد من نشاطها كسوق للشركات الصغيرة الباحثة عن بدائل تمويلية أسهل.
وخلال السنوات الثلاث الماضية تم شطب شركات «يونيفرت»، و”شمال أفريقيا»، و«أميكو ميديكال»، من بورصة النيل، فضلاً عن اعتبار قيد عدد أكبر من الشركات كأن لم يكن لعدم حصولها على عدم ممانعة الرقابة المالية على الطرح، كما أن شركتين أخريين معلق قيدهما من جانب الرقابة المالية رغم الحصول على أحكام قضائية أو قرارات من لجنة التظلمات فى الهيئة باستكمال طرحهما فى البورصة من بينها «سكاى لايت للسياحة»، و«نبق سيناء» و”سيتى تريد”.

تابع عسران، أنه رغم التعديلات التشريعية الأخيرة بتخفيف مصاريف القيد إلا أن ارتفاع عبئها على الشركات الصغيرة ومصاريف الإفصاح فى ظل انخفاض سيولة السوق، يمثل عبئا، إضافة إلى كثرة الإجراءات والعراقيل كإلزام هيئة الرقابة بعض الشركات باجراء دراسة قيمة عادلة فى بعض الأحيان، وهو ما يمثل تكلفة إضافية على الشركات لا تتوافق مع حجم أعمالها فيضطر بعضها للتخارج والشطب من البورصة.
وتابع عسران: أن من ضمن أسباب تخارج الشركات، الازدواج الضريبى فى ضريبة التوزيعات، موضحاً أن الشركة تدفع %25 ضرائب قبل صافى الربح القابل للتوزيع، و%10 ضريبة اخرى عند توزيع الأرباح، وهو ما يمثل عبء تكلفة على الشركات، بالإضافة إلى عدم وجود حوافز ضريبية للاستمرار بالقيد.
واقترح عسران بعض الحلول للحد من نزيف التخارج، من خلال إعادة توزيعات لجدوال البورصة وتصنيف الشركات إلى فئات حسب حجم أعمالها، وإلزام كل فئة بإجراءات معينة يتوافق مع حجم أعمالها، بالإضافة إلى توفير سيولة فى السوق لتمويل الشركات من خلال تفعيل هامش الربح فى السهم لكل الشركات بنسبة تتماشى مع مدى سيولة السهم فى السوق، لخلق سيولة عالية.
وفى السياق نفسه أرجع أبو بكر أمام رئيس قسم البحوث بشركة سيجما كابيتال لتداول الأوراق المالية، الأسباب الرئيسية وراء تخارج بعض الشركات من البورصة، إلى عدم وجود فوائد ضريبية، فضلاً عن أن بعض الشركات لا تتناسب أحجام أعمالها مع متطلبات البورصة من إجراءات وارتفاع مصاريف قيد وإجراءات إفصاح وغيرها، مما جعل السوق يفقد شركات كثيرة فى الفترة الأخيرة .
أضاف إمام، أن من ضمن الأسباب لتخارج الشركات التى ظهرت مؤخرا، هو ضعف السيولة فى السوق، مما تسبب فى تراجع أسعار أسهم الشركات التى تطلب تمويلاً من السوق عبر زيادة رأس المال النقدية مثل أسهم بالم هيلز، وسيدى كرير، مما أدى إلى ضعف دور البورصة كقناة تمويلية .
وتابع، أن الحلول المقترحة لوقف سيل التخارج فى البورصة هو إعادة المزايا الضريبية مرة أخرى، بالإضافة إلى تسريع تفعيل الأدوات الجديدة كالشورت سيلينج والمشتقات وصانع السوق، وهو ما من شأنه أن يخلق سيولة فى السوق تحد من أزمة التخارج.
وفقدت منصة البورصة المصرية أكثر من 15 شركة خلال آخر 3 سنوات، فضلاً عن تراجع أحجام التداول على أسهم الشركات التى واجهت إلزاماً بتقديم عروض شراء إجبارى بعد تخطى حصص المساهم الرئيسى النسب القانونية، مثل «راية القابضة»، و«الكابلات الكهربائية»، و«أراب ديري»، فضلاً عن عروض الشراء التى تلقتها شركات أخرى لتقل نسب التداول الحر بها بالقرب من مستوى %10 ما جعلها بعيدة عن رادار المستثمرين الأجانب وصناديق الاستثمار المحلية.
ويرى معتصم الشهيدى نائب رئيس مجلس إدارة شركة هويزون لتداول الأوراق المالية، عدم قدرة البورصة على توفير التمويل اللازم للشركات وهو الغرض الاساسى للقيد، خاصةً مع تراجع جاذبية السوق للمستثمرين المصريين، وهو ما ظهر فى معظم الطروحات الأخيرة بالسوق والتى شكلت الاستثمارات الأجنبية نسب تتخطى 70 إلى %90 من حجم الطرح فى إشارة إلى ضعف جاذبية الطروحات للمستثمرين المصريين.
واقترح الشهيدى، تخفيض رسوم القيد السنوى، وتفعيل آليات تداول جديدة كالشورت سيلينج وصانع السوق لتوفير السيولة اللازمة للسوق حتى يصبح قادر على توفير التمويل اللازم للشركات، وهو ما من شأنه أن يحد من نزيف التخارج.
وقال على غنام رئيس مجلس إدارة شركة أسطول القابضة لتداول الأوراق المالية، إن عروض الشراء والاستحواذات، بالإضافة إلى ظروف السوق المتقلبة من عام 2010 تسببت فى خروج العديد من الشركات.
أَضاف غنام، ان ضريبة الدمغة على التعاملات والأرباح الرأسمالية، غيرت من ثوابت فى سوق المال خاصةً مع ارتفاع تكلفة العمليات على المتعاملين وخاصة صناديق الأسهم فضلاً عن ارتفاع معدلات الفائدة والتى جعلت العوائد المطلوبة على الاستثمار فى الأدوات مرتفعة المخاطر مثل الأسهم أعلى بكثير ودفعت بأسعار الأسهم لأسعار متدنية للغاية ما جعلها عرضة لعمليات استحواذ من خارج السوق.
وأوضح غنام أن الحلول المقترحة لحل ازمة تخارج الشركات المدرجة بالبورصة، هو تحسين السوق من خلال تفعيل برامج للطروحات، والتسريع من الطروحات الحكومية، وحل أزمة جلوبال تيليكوم لإعطاء ثقة للشركات للاستمرار بالقيد، متوقعا حل الأزمة خلال الأيام القادمة وأن ينفذ السوق بأكثر من 1.5 مليار جنيه، لافتا إلى ان السوق يحتاج إلى أخبار جيدة ليحسن من مؤشراته، مشيرا إلى ان معظم الشركات المقيدة بالبورصة تعانى من ضعف التنفيذات بالبورصة، وهو ما ينبؤ بالمزيد من الاندماجات فى الفترة المقبلة.
واشار غنام: إلى ضرورة مراعاة عنصر الضرائب على الشركات، أن السوق المالى بمصر سوق رخيص، أى بمثابة فرصة ذهبية أمام المستثمرين، ويحتاج إلى محفزات أكثر بالسوق لجذب مستثمرين أكثر، وهو ما يحل مشكلة السيولة ويوفر تمويل للشركات المقيدة ويحد من نزيف سيل التخارج، موضحاً أن التخارجات ليست بالضرورة علامة سيئة على السوق، بل هى علامة صحية على استمرار الشركات القادرة على المنافسة فى ظل صعوبات السوق، مؤكدا أن وجود شركات قليلة قوية مدرجة بالبورصة أفضل من عدد كبير غير قادر على المنافسة.
ويرى معتز عشماوى العضو المنتدب لشركة عربية أونلاين لتداول الأوراق المالية، أن أسباب تخارج الشركات من البورصة يختلف من شركة لأخرى، ودوافع كل شركة للتخارج كشركات تنتهى عملياتها فى مصر، أو تقرر الشطب ونقل الأعمال خارج مصر، وشركات تقر التخارج بناء على عرض شراء أو أستحواذ كشركة جلوبال تيليكوم، وشركات أخرى تقرر التخارج بسبب ضغط وتداخل صغار المساهمين فى الشركة كشركة فودافون، لافتا إلى أن قطاع الاتصالات الذى قاد معدلات النمو فى 2009، لم يتبق منه سوى شركتين مقيدتين، مما يعنى أن القطاع لا يرى فى البورصة مصدرًا للتمويل.
وأضاف عشماوى: على الرغم من أن المناخ الاستثمارى فى مصر تحسن إلى حد كبير، إلا أن هناك أسباب عامة وراء التخارجات التى حدثت على مدار السنوات الأخيرة، أبرزها ضعف سيولة السوق، وعدم قدرته على توفير التمويل اللازم للشركات المدرجة، بالإضافة إلى ضعف جانب الطلب والعرض فى البورصة المصرية.
اقترح عشماوى بعض الحلول لحل أزمة التخارجات، كتفعيل حافز ضريبى للشركات المقيدة من خلال اعفاء الشركات من نسبة قليلة من الضرائب، بالاضافة إلى ضرورة اطلاق برامج توعية تحت رعاية البورصة المصرية، لجذب استثمارات للبورصة، مما يخلق سيولة عالية فى السوق، لتمويل الشركات المقيدة بالتمويل اللازم، يتفادى بها المزيد من نزيف التخارجات.