فى الوقت الذى تتجه فيه أنظار العالم إلى الخلافات السياسية الهائلة، من المطمئن اتفاق كل محلل وتاجر ومستثمر وخبير اقتصادى على شئ واحد على الأقل، وهو اعتزام البنك الاحتياطى الفيدرالى خفض أسعار الفائدة نهاية الشهر الحالى.
ولكن هذا الإجماع يحمل فى طياته أخطارا عديدة، حتى إن الهدنة التجارية الواضحة التى اتفقت عليها الولايات المتحدة والصين مؤخرا لم تقدم شيئا يذكر فى الحد من التوقعات التى تدور حول استعداد «الاحتياطى الفيدرالي» خفض أسعار الفائدة بنسبة %1 العام المقبل.
بالإضافة إلى ذلك، تسببت هذه التوقعات فى تقييد حركة العائد على سندات الخزانة الأمريكية لآجل 10 سنوات مرة أخرى إلى ما دون %2، فى حين خفضت العائد على سندات الخزانة لأجل عامين.
وقال روبن ويجليسورث، المسؤول عن تغطية أخبار أسواق المال وإدارة اﻷصول لدى صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، إن مظاهر التحول اﻷكثر إثارة يمكن رؤيتها فى سوق «اليورو دولار”، وهو الدولار الأمريكى المودع فى الحسابات الخارجية.
وذكر ويجليسورث، أن عقود «اليورو دولار» طريقة شائعة بالنسبة للمتداولين للمراهنة على أسعار الفائدة اﻷمريكية، فقبل عام كان صافى العقود الآجلة قصيرة اﻷجل لليورو دولار ، تصل إلى نحو 3 ملايين عقد، أما اليوم أصبحت العقود الآجلة طويلة اﻷجل تقدر بـ 1.27 مليون عقد، وهو أكبر رهان على أسعار الفائدة الأمريكية منذ بداية عام 2008.
وفى الوقت نفسه، يعد هذا التحول اﻷكثر عنفا منذ عام 1993 على الأقل، أى عندما بدأت لجنة تداول السلع الآجلة فى جمع البيانات.
وأفاد ويجليسورث أن «الاحتياطى الفيدرالي» محاصر، وسيقوم بالتأكيد بخفض أسعار الفائدة فى يوليو الحالى.
ويعتقد ويجليسورث أن اجتماع مجموعة العشرين لم يتسبب إلا فى تخفيف حدة التوترات التجارية بشكل مؤقت، وهو أمر لن تكون له فائدة تذكر فى مساعدة الاقتصاد العالمى على استعادة قوته، ومن المتوقع إعادة انتعاش نمو الوظائف اﻷمريكية بعد أن شهدت شهرا بائسا فى مايو الماضى، ولكن حتى القراءة المفاجئة قد لا تغير عقلية المسؤولين الفيدراليين الحذريين الذين يشعرون بالقلق تجاه عدم القدرة على رفع التضخم إلى المستوى المستهدف.
وهناك أمر هام يدور حول الإجماع على تخفيض «الاحتياطى الفيدرالي» ﻷسعار الفائدة فى نهاية يوليو الحالى، وهو احتمالية مواجهة اﻷسواق المالية لأمر خطير حال امتناع «الفيدرالي» عن اتخاذ هذه الخطوة، وحتى أكثر محافظى البنوك المركزية تشددا ستضعف أمام ذلك، مما يجعل خفض التأمين التحوطى هو الطريق الأقل مقاومة.
ومع ذلك، يبالغ السوق على اﻷرجح فى تقدير مدى التشدد الذى سيتخذه البنك المركزى الأمريكى، خصوصا أن البيانات الاقتصادية الأساسية، باستثناء النشاط الصناعى الراكد، بعيدة تماما عن مستويات إثارة الذعر.
وإذا لم تتدهور البيانات الاقتصادية بشكل حاد، سيصعب على الأسواق أن تحرض «الاحتياطى الفيدرالي» على الكشف عن كافة زيادات أسعار الفائدة لعام 2018 بهذه السرعة.
وربما يكون سوق السندات على حق فى التفكير فى أن التباطؤ الاقتصادى الحاد، وربما ركود اقتصادى، يلوح فى الأفق، ولكن الرئيس السابق لمجلس الاحتياطى الفيدرالى بن برنانكى كان محقا عندما حذر من أن البنوك المركزية التى تستجيب لضغوط السوق تتحول بسرعة إلى قاع المرايا التى يطارد فيها كل اﻷطراف بعضهما البعض.
وفقا لهذا الصدد، من المستحسن بيع سندات الخزانة الأمريكية قصيرة الأجل وعقود اليورو دولار التى يتم تسعيرها لسيناريو قاتم بشكل غير واقعى.