توقف المتسوقين عن الإنفاق غير الضرورى يعالج نصف المشكلة
تجارب ناجحة فى كسب ثقة العملاء عبر استراتيجيات مجتمعية
لا يوجد حيوان غبى أو جشع بحيث يفسد عيشه، باستثناء الحيوان البشرى، هكذا يعلن إيفون شوينارد البالغ من العمر 80 عاماً ومؤسس شركة “باتاجونيا”، العلامة التجارية للملابس فى الولايات المتحدة، والمثال الرائد للأزياء المستدامة.
يظهر التعليق فى كتابه الجديد “بعض القصص: دروس من على حافة الأعمال والرياضة” وصفحاته الـ464 تمثل شهادة على حياة عاشها وسط الطبيعة، فعندما كان شاباً فى شمال كاليفورنيا ساعد على فتح نشاط تسلق الجبال فى يوسميتى.
ويقول فى كتابه إنه إذا تمكنت من تقديم رسائل صادقة وحقيقية فسيقوم عملاؤك بالبحث عنك للوصول إلى ما هو صحيح.
وعلى الرغم من امتلاك شوينارد علامة تجارية عالمية للأزياء، فإنه يجب الإشارة إلى تعريف القاموس للمستهلك على أنه “شخص يأكل ويدمر”.
ولمعالجة ظاهرة شراء الناس ما لا يحتاجونه يطلب من المستهلك استخدام أقوى كلمة فى قاموس اللغة الإنجليزية وهى “NO” فيمكن للماركات التوصل إلى أى منتج والإعلان عنه بطريقة جذابة ويمكن للمستهلك أن يقول “لا”.
ولإقناع الزبون بقاعدة “لا” فعل رجل الأعمال الأمريكى ما قد يعتبره البعض تهديداً لأرباح شركته؛ حيث نشر فى 2011 إعلاناً وقع عليه فى صفحة كاملة بصحيفة “نيويورك تايمرز” يقول: لا تشترى هذه السترة.
وجرى عرض الإعلان، الذى تم تصميمه لتسليط الضوء على الآثار البيئية للإنفاق غير الضرورى فى يوم الجمعة الأسود وهو أكثر أيام التسوق ازدحاماً على الإنترنت وفقاً للتقويم الأمريكى.
كما أوضح فى كتاب سابق له بعنون “الشركة المسئولة” كان المنطق الكامن وراء الحملة بسيطاً، فإذا كان الهدف تقليل الضرر البيئى والاجتماعى الذى تقوم به الشركة، فإن أمر “التقليل” يجب أن يأتى أولاً بعدم تقديم منتج لن يكون مفيداً أو لن يدوم طويلاً، بالاضافة إلى عدم شراء ما لا يحتاجه الفرد.
ولا يتجاهل مالك “باتاجونيا” صعوبة لغز تحقيق أرباح صديقة للبيئة الذى يواجهه قادة الشركات المحترفون لكنه يستشهد بمثال “دانون” تحت قيادة الرئيس التنفيذى إيمانويل فابر، عملاق الغذاء الفرنسى الذى حصل مؤخراً على شهادة B Corp الأخلاقية التى تقيم أداء الشركات الربحية الاجتماعى والبيئى.
ويرفض “شوينارد” النظر إلى النشاط الاجتماعى والبيئى باعتباره عبئاً على الأرباح فبعد 46 عاماً كانت “باتاجونيا” تنطلق فى كل شىء مع مراعاة تغير المناخ وخلال ذلك الوقت ارتفعت عائدات المبيعات وظلت علامة تجارية متميزة باستمرار.
يأتى الدليل مرة أخرى بالعودة إلى إعلان الجمعة السوداء الجرىء، فمقارنة بالعام السابق وهو 2010 سجلت متاجر “باتاجونيا” فى الولايات المتحدة ارتفاعاً بمقدار 4 أضعاف وهى نتيجة أقسم شوينارد أنه لم يكن يتوقعها أو يستهدفها.
هناك 3 دروس يمكن أن تتعلمها ماركات الأزياء الأخرى من مؤسس “باتاجونيا” عندما يتعلق الأمر بنشاط النشاط التجارى.
أولاً: ضع رواية ذات مصداقية، فقد لا تكون رؤية شوينارد للعالم كحياة طيبة بدون استهلاك سيئ مناسبة لذوق الجميع، ولكنها على الأقل متسقة من الناحية الأخلاقية ويمكن الدفاع عنها منطقياً وعلاوة على ذلك فإن تطبيقها ثبت عملياً من حيث زيادة نسبة الجمهور المشترى للسلع المستدامة.
ثانياً: لا تقدم رسالة مشوشة، واجعلها جريئة ما دمتَ تعتقد فيها وبحسب “شوينارد” فإن المستهلكين “جائعون حقاً” لاتخاذ علاماتهم التجارية المفضلة موقف حيال القضايا ذات الاهتمام العام.
ثالثًا: كن أول من يطبق رسالتك، فتحت قيادة شوينارد تحولت العلامة التجارية إلى 100% قطناً عضوياً وتبرعات بملايين الدولارات لأسباب بيئية وقادت الطريق فى توفير لمحاربة عمالة الأطفال، وقدمت أجوراً عادلة لعمال المصانع فى الخارج.
وفى عام 2011، ساعدت شركة “باتاجونيا” على تأسيس تحالف الملابس المستدامة عبر القطاع والذى ساعد من بين أنشطة أخرى على تطوير مؤشر يستخدم على نطاق واسع لقياس استدامة الأحذية ومنتجات الملابس.
يمكن القول إن الدرس الأخير هو أن صدق الرسالة لا يعنى الكمال فى كل ما تفعله الشركة فلا توجد مؤسسة مستدامة 100%، فخطة شونيارد واجهت مشكلات مثل التلوث الكيميائى المرتبط بالزراعة التقليدية للقطن.
وتعتبر استراتيجية الصراحة مع العملاء أسلوباً ذكياً فى كسب ثقتهم، فعندما تعترف شركة بما تسببه من قدر هائل من الضرر مع كل الموارد التى تستخدمها ملزمة إدارتها بمسئولية القيام بشىء يعوضه يعنى مزيداً من الثقة فى ما تقوله.
والحقيقة أن هذا الاعتراف يخبر المستهلكين ما يعرفونه بالفعل ولا يمكن اعتباره مصدراً لتهديد ما للأرباح.
ورد فعل المستهلك الإيجابى تجاه مصداقية “باتاجونيا” على سبيل المثال حقق فى السنوات الأخيرة ما يمكن اعتباره انفجاراً للعلامة التجارية الناشئة لتصبح اسماً شهيراً بإيرادات للمبيعات فاقت المليار دولار.
ويتطلع العملاء كما يقول “شوينارد” إلى العلامات التجارية الصريحة للحصول على إرشادات ونصائح ما يعنى أنه من الممكن حل الكثير من المشكلات، ولكن يجب أن يجرى ذلك فى جميع أنحاء العالم والآن وليس غداً.