
يختلف أنواع الصيادين بين صياد فقير ومتوسط وغني.. كل يملك أدوات تتواءم مع مستواه وإمكانياته.. ولكن كل له من الصيد نصيب.. المهم فى هذا التشبيه أن الصياد الفقير بأدوات تقليدية ومحدودة يصطاد جيدا رغم حدود إمكانياته.. يعرف حدود أدواته وموارده المتاحة وبالتالى العائد عليه من خططه للصيد.. ومن ثم يوظف عائد صيده فى الصرف على بيته وأسرته وحياته وصيانة أدواته أو إحلالها عند تحقيق وفر جيد.. والادخار لمواجهة الأزمات المستقبلية والتقدم المستقبلى.. كذلك حال المتوسط وحال الصياد الغني كل يعرف حدود أدواته وامكانياته المتاحة أمامه.. وهذا يذكرنى بمعنى الاقتصاد الذى يدر ندرة الموارد النسبية وكيفية إدارتها بالشكل الأمثل لتحقيق أفضل النتائج.
ماذا لو فكر الصياد الففير خارج نطاق أدواته وإمكانياته.. كان يذهب إلى عرض البحر بمركبه المتواضع ليصطاد .. هنا تظهر المخاطر هل قام هذا الصياد الفقير بالتفكير للحظة مخاطر الذهاب فى مثل هذه الرحلة.. والعواقب والتحديات التى قد تواجهه.. ليس فقط هذا هل أعد العدة وتسلح بأدوات مساعدة ليقوم بهذه المخاطرة.
وهذا هو حال القائد عندما يعرف حدود إمكانياته وخططه وما يقابلها من تمويل متاح وربطه بجداول زمنية واقعية.. ففى عدد من الدورات التدريبية بالمشاركة مع خبراء أجانب مرة مصريين ومرة أخرى اجانب.. من الرسايل الواضحة لكل المخططين أو كل من يتقلد منصب كانت هناك عدة نصائح أهمها هل لديك خطة وإن لم يكن يجب أن تضع واحدة واقعية مرتبطة بجدول زمني وميزانية تكفى لتنفيذ هذه الخطة.. بمعنى الا تضع خطة لعشر سنوات وميزانيتك تكفى لخمس فقط.. وألا تقطع على نفس وعودا مرتبطة بمدد زمنية لا تستطيع تحقيقها لأنك عندها ستفقد مصداقيتك..وتفشل.. فلا تسطيع استكمال مشروعاتك أو الحفاظ على مصداقيتك.
يجب أن تكون ملما بكل صغيرة وكبيرة فيما أوكل إليك من مهام.. ومعرفة إمكانياتك البشرية والمالية.. وأن تعرف حدود اختصاصاتك وكيفية استخدام أدواتك السياسية والمالية والإدارية.. وأن تعرف كيف تمزج بين البيضة والحجر من جانب وما أتاحه لك العلم من جانب آخر .. بتوازن يرقى الى الذكاء المتوازن.. وكلما كسبت أرضا صلبة حافظ عليها لتكمل مسيرتك ولا تعمل بمنعزل عن الظروف الداخلية أو الخارجية.. وعليك أن تتحلى بالنزاهة والشفافية والإفصاح وقواعد الحوكمة الرشيدة.. وأن تستعين بالكفاءات البشرية التى تساعدك على تحقيق الأهداف.. فأنت لا تعمل لوحدك وإنما تعمل فى منظومة وقواعد وفرق عمل ينبغى أن يسود بينها روح الفريق والتكامل فتعشيق التروس مطلوب للتقدم للأمام .
ولنضرب مثلا بفريق كرة القدم فعندما تختار مدربا كفئا بحيادية وتعطيه الصلاحيات دون تدخل لاختيار أفضل العناصر التى تعطى أفضل أداء جماعي مع وجود الخطط التكتيكية ومعرفة ودراسة المنافس كل مرة وتغيير التكتيك بما يناسب كل مواجهة دون اللعب فى الأساسيات لتباغت الخصم بالمكسب فى النهاية.. لتصل إلى الادوار المتقدمة.. فكل فوز تحققه يدفعك للأمام طالما تمكنت من أدواتك.
أن إدارة الاقتصاد والدولة وأجهزتها بمقدراتها تحتاج هذه الحنكة والقائد الذى يستطيع اختيار افضل العناصر التى يمكن أن تلعب بروح الفريق وإدارة الموارد بالكفاءة والنزاهة المطلوبة فى ضوء رؤية وخطط وأهداف واقعية.. هدفها تحقيق التنمية الحقيقة للبلد التى يشعر بها المواطن.. فأساس التنمية المستدامة هو المواطن ليعيش حياة كريمة.. بعيدا عن التناقضات فى القول والفعل… فتعليم وصحة المواطن والخدمات المقدمه له ليعيش حياة كريمة هى فى قمة أولويات التخطيط التنموي المستدام.. ولا ضير من العمل توازيا فى تحقيق التنمية الحضرية والقضاء على العشوائيات إلى جانب الارتفاء بحياة المواطن.. فبدون العنصر البشرى لن تسقيم الحياة لأن وظيفة البشر فى الأرض إعمار الأرض.. وما ارتقت الحياة وتقدمت منذ بداية الخليقة إلا بهذا الإنسان وما وصل إليه من اختراعات لتحقيق العمارة فى الأرض.. وهذا ما فرق بين دول تقدمت ودول تأخرت.. فالبناء هو عملية تراكمية ومتطورة ومتطلعة أساسها الإنسان.. وبناء الإنسان هو وقود التقدم .. والبناء هنا يشمل كافة مناحي الحياة.. لنجني ثمار إدارة منظومة الصيد أو الاقتصاد بكفاءة وفاعلية.
تحيا مصر .. تحيا مصر .. تحيا مصر.. دولة وشعبا .. فمصر تستحق الكثير.. فمن بنت حضارة سبعة آلاف سنة تستطيع بأبنائها أن تكمل المسيرة.
وما نبغى إلا إصلاحا وتوعية..
بقلم: إبراهيم مصطفى؛ خبير اقتصاد واستثمار وتطوير أعمال