بات تسليط الضوء على فرص العمل فى أفريقيا واستراتيجيات النجاح من قبل المراكز البحثية أمراًَ طبيعياً؛ نظراً إلى أن السوق الأفريقى هو الأكبر من حيث توقعات النمو الكبير فى مستقبل العالم القريب.
ولا تزال تقديرات إمكانات أفريقيا كسوق للنمو فى قطاع الأعمال على وجه الخصوص أقل مما تستحق لما يشوبه الأمر من سوء فهم لكثير من الباحثين وكذلك الحال بالنسبة لإمكانيات الشركات للعب دور محورى فى حل أكبر تحديات القارة كما يرى تقرير لمعهد «بروكنجز الأمريكى للأبحاث».
ويمكن التأمل فى إجابة سؤال واحد يقول، كم عدد الشركات فى أفريقيا التى تحقق إيرادات سنوية تبلغ مليار دولار أو أكثر؟.. يعتقد معظم المديرين التنفيذيين والأكاديميين العالميين الذين يحاولون توقع الرقم أن هناك أقل من 100 ومن المثير للشفقة أن كثيرين يجيبون بأن العدد «صفر»!. الإجابة الصحيحة هى أنه يوجد أكثر من 400 شركة من هذا القبيل، وهى فى المتوسط تنمو بشكل أسرع وأكثر ربحية من نظيراتها العالمية.
ويمثل عدد السكان والأسواق سريعة النمو فى أفريقيا فرصاً مهمة للأعمال فى ظل تباطؤ النمو العالمى، وفى الوقت نفسه، فإن زيادة الابتكار والاستثمار من قطاع الأعمال أمر ضرورى لتلبية طلب أفريقيا غير المحقق على السلع والخدمات، ولسد الفجوات فى بنيتها التحتية وخلق فرص العمل والحد من الفقر.
ويعد التقرير الذى يقدم ملخصاً ﻷهم ما توصل له باحثو «بروكنجز» وصفاً لمدى توافر فرص العمل الأفريقية فى القطاعات الرئيسية كما أنه يقترح الخطوات التى يمكن للمستثمرين اتخاذها لترجمة هذه الفرصة إلى مؤسسات مربحة ومستدامة.
■ فرص جريئة
نما الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى لأفريقيا بمعدل سنوى متوسطه %5.4 فى الفترة 2000 -2010، وكان الدافعان الأهم بمقاييس متساوية تقريباً نمو القوى العاملة ونمو الإنتاجية.
وبعد التباطؤ الناجم عن صدمات الربيع العربى فى عام 2011 وانهيار أسعار البترول عام 2014، انتعش نمو أفريقيا وأصبحت آفاقها المستقبلية قوية.
ويؤكد مؤشرا البنك الدولى على صدق وعد القارة، فمن بين الاقتصادات العشرة الأسرع نمواً فى العالم عام 2018، كان 6 منها فى أفريقيا، وكانت غانا على قمة التصنيف العالمى.
وبالنسبة لمؤشر ممارسة أنشطة الأعمال 2019 الصادر عن البنك الدولى، توجد 5 من أفضل 10 دول فى أفريقيا، وثلث جميع الإصلاحات المسجلة عالمياً كانت فى دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
ويدعم التسارع الاقتصادى وتحسين بيئة الأعمال 5 اتجاهات طويلة الأجل، كل منها يفتح نمواً يغير وجه القطاعات الاقتصادية الرئيسية ويمكن ذكر 5 عناصر أساسية تمثل فرصاً لازدهار أفريقيا.
1. مجتمع ينمو ويتوسع بسرعة:
من المتوقع أن يصل عدد سكان أفريقيا الحالى البالغ حوالى 1.2 مليار نسمة إلى 1.7 مليار بحلول عام 2030، وسيحدث أكثر من %80 من النمو السكانى فى أفريقيا على مدى العقود القليلة القادمة فى المدن، ما يجعلها أسرع المناطق الحضرية تحضراً فى العالم، وفى الوقت نفسه، ترتفع الدخول فى معظم أنحاء القارة، ما يولد فرصاً تجارية جديدة بالسوق الاستهلاكى.
وإجمالاً، من المتوقع أن يصل الإنفاق السنوى من قبل المستهلكين والشركات الأفريقية إلى 6.66 تريليون دولار بحلول عام 2030، ارتفاعاً من 4 تريليونات دولار عام 2015.
وهذه الاتجاهات تحفز الأسواق المتنامية فى مجموعة من القطاعات التى يحتاج فيها الأفارقة إلى تلبية الاحتياجات، بما فى ذلك الأغذية والمشروبات والأدوية، والخدمات المالية والرعاية الصحية والتعليم.
2. أفريقيا هى التصنيع:
توجد ثورة صناعية أفريقية جارية مع زيادة المصنعين فى إنتاج كل شىء من الأغذية المصنعة إلى السيارات، ما يجعل الباحثين يشعرون بحماس إزاء مستقبل الصناعات الأفريقية التى لديها فرصة لمضاعفة الإنتاج إلى ما يقرب من تريليون دولار فى غضون عقد من الزمان.
ومن المرجح أن يأتى ثلاثة أرباع هذا النمو من التصنيع من الواردات البديلة وتلبية الطلب المحلى المتزايد، ولكن هناك أيضاً فرصة مهمة لتنمية صادرات الصناعات التحويلية وجعل أفريقيا مركز التصنيع الكبير التالى فى العالم؛ حيث تنتقل الصناعات من الصين إلى المناطق الأقل تكلفة.

ويشير التقرير الأمريكى إلى أن الطفرات المستمرة فى القطاعات التى لا تحتوى على مداخن ملوثة للبيئة مثل السياحة والصناعات الزراعية، وبعض الخدمات القائمة على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، يمكن أن تكون بمثابة سلالم تطوير؛ حيث تشترك هذه القطاعات فى 3 خصائص رئيسية هى التصنيع التقليدى، والقدرة على التصدير، وزيادة الإنتاجية، وارتفاع كثافة اليد العاملة.
3. البنية التحتية:
يعد ضعف البنية التحتية أحد العوائق الرئيسية للاستثمار والنمو فى أفريقيا وعلى سبيل المثال، ما يقرب من 600 مليون أفريقى يفتقرون إلى شبكة الكهرباء، ولكن بينما لا تزال البنية الأساسية لأفريقيا متخلفة عن مثيلاتها فى المناطق النامية الأخرى، فقد تم إحراز تقدم كبير وهذا واضح من البيانات التى تؤكد تضاعف الاستثمار السنوى لأفريقيا فى البنية التحتية لحوالى 80 مليار دولار سنوياً منذ بداية هذا القرن.
ويمثل ذلك فرصة كبيرة للمستثمرين ورجال الأعمال الذين لديهم خيال للمساعدة فى حل تحديات البنية الأساسية فى أفريقيا.
4. ابتكارات الزراعة والتعدين:
تشتهر أفريقيا منذ وقت طويل بوفرة مواردها فى كل من الزراعة والموارد المعدنية، ورغم ذلك كافحت حتى الآن لتحويل هذه الموارد إلى ثروة مشتركة وتنمية اقتصادية مستدامة.
وتعد الابتكارات والاستثمارات الجديدة مؤشراً على تغيير تلك الصورة وخلق فرص نمو مثيرة لشهية قطاع الأعمال.
وعلى سبيل المثال، فى مجال البترول والغاز، فإنَّ القارة السمراء غنية بالمناطق غير المستكشفة ذات الإمكانات العالية، والقارة لديها قدر كبير من الطلبات غير الملباة على الطاقة.
وتصل تقديرات نمو سوق الغاز المحلى فى أفريقيا إلى نسبة %9 سنوياً حتى عام 2025، وفى ذلك الوقت يمكن أن تستخدم القارة ما يصل إلى %70 من الغاز الخاص بها.
5. الإمكانات الرقمية:
شهدت دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أسرع معدل فى العالم من حيث الاتصالات الجديدة للنطاق العريض بين عامى 2008 و2015 ومن المتوقع أن تزداد هذه النسبة عبر أفريقيا 7 أضعاف بين عامى 2017 و2022؛ حيث يوجد أكثر من 120 مليون حساب نشط لتحويل الأموال عبر الأجهزة المحمولة أى أكثر من %50 من المجموع العالمى، وقد قفز هذا بكثير من الناس إلى التعامل فى المنتجات المصرفية التقليدية.
ويسمح هذا الاتجاه للشركات بتحسين الإنتاجية وتسريع المعاملات والوصول إلى أسواق أوسع، ويمكن أن يضيف 300 مليار دولار إلى الناتج المحلى الإجمالى للقارة بحلول عام 2025.
■ خريطة الفرص
يوجد 54 دولة فى أفريقيا متنوعة من حيث عدد السكان ومستويات التنمية ومعدلات النمو والاستقرار، ففى حين يبلغ عدد سكان نيجيريا ما يقرب من 190 مليون نسمة وإثيوبيا ومصر أكثر من 90 مليون شخص لكل منهما، فإن معظم الدول الأفريقية يبلغ عدد سكانها أقل من 20 مليون نسمة.
وبالمثل، يوجد 9 دول تشكل ثلاثة أرباع الناتج المحلى الإجمالى لأفريقيا، وفى عام 2030 ستمثل 3 دول ما يقرب من نصف استهلاك الأسر فى القارة: نيجيريا (%20)، مصر (%17)، وجنوب أفريقيا (%11).
ومع ذلك، فإن العديد من البلدان الأصغر حجماً تنمو بسرعة وتزيد من حصتها من الناتج المحلى الإجمالى القارى والاستهلاك أيضاً، ومن المتوقع أن تزيد شرق أفريقيا والدول الوسطى والغربية من حصتها فى الاستهلاك الإجمالى للقارة بشكل كبير.

ويجب على الشركات بالتالى تشكيل محفظة جغرافية متماسكة مع البلدان ذات الأولوية ومدن التشغيل لخدمة هذا السوق الكبير.
ووفقاً لمؤشر «ماكنزى للاستقرار فى أفريقيا» والذى يدعم الشركات والمستثمرين لتحقيق التوازن بين محافظهم الاستثمارية يوجد 3 مجموعات مميزة من البلدان يمثل كل منها حوالى ثلث الناتج المحلى الإجمالى لأفريقيا:
■ دول ذات نمو مستقر:
وتعتمد هذه الاقتصاديات نسبياً على الموارد المخصصة للنمو، وتتقدم مع الإصلاحات الاقتصادية، وتزيد من قدرتها التنافسية.
■ دول ذات نمو ضعيف:
وهذه البلدان لديها واحد على الأقل من 3 أنواع من الضعف؛ حيث يعتمد البعض منها مثل أنجولا ونيجيريا اعتماداً كبيراً على صادرات الموارد الطبيعية، بينما تواجه بلدان أخرى مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية تحديات فى مجال الأمن أو استقرار الحكم وأخيراً، فإن بلدان مثل موزمبيق معرضة لصعوبات من جهة الاقتصاد الكلى.
وبالنسبة للمستثمرين، تقدم هذه الدول ضعيفة النمو إمكانات واعدة للنمو لكنها تشكل أيضاً مخاطر يجب تقييمها وفهمها بشكل صحيح.
■ دول ذات نمو بطىء:
تضم هذه المجموعة ليبيا وتونس والدول المتأثرة بالربيع العربى، بالإضافة إلى ثانى أكبر اقتصاد فى أفريقيا وهى جنوب أفريقيا.
ويحتاج المستثمرون إلى تقييم فرص النمو على مستوى كل قطاع أو استخدام أنشطتهم كقاعدة للتوسع فى أجزاء أخرى من المنطقة.
كما يشجع تقرير معهد بروكنجز المستثمرين على التفكير فى بعض مدن أفريقيا وليس فقط بلدانها؛ حيث يقومون بإنشاء محافظهم الاستثمارية الأفريقية.
ويشير التقرير إلى أنه بحلول نهاية العقد المقبل سيكون لدى أفريقيا ما يقرب من 90 مدينة يقطنها ما لا يقل عن مليون نسمة بفضل التوسع الحضرى السريع، وهو أحد الأسباب الجيدة التى تجعل الشركات يجب أن تجعل المدن محوراً رئيسياً لاستراتيجيات نموها فى القارة، خاصة أن هناك سبباً آخر على نفس القدر من الأهمية، وهو ارتفاع استهلاك الفرد فى المدن الكبرى بأفريقيا بنحو ضعف متوسط البلدان المضيفة لهذه المدن.
■ الفوز بأفريقيا:
على الرغم من أن الشركات الأفريقية الناجحة تختلف اختلافاً كبيراً فى تركيزها الجغرافى والقطاعى، فإن ما تشترك فيه هو الخيال المتمثل فى رؤية احتياجات القارة غير الملباة وفرصاً لريادة الأعمال، والالتزام طويل الأجل المطلوب لبناء أعمال ذات حجم كبير، وفى الواقع فإنه عادة ما ترى الشركات الأسرع نمواً والأكثر ربحاً فى القارة أن التحديات تشكل دافعاً للابتكار.
كما أن المبتكرين الأفارقة الناجحين يدركون جيداً الحواجز التى تحول دون نجاح أعمالهم، كما أنهم حريصون على بناء مرونة طويلة الأجل فى نماذج أعمالهم.
ورصد الباحثون تجربة شركة «Dangote Industries» التى تتخذ من نيجيريا مقراً لها، والتى تصنع السلع بكميات هائلة، وجعلت مؤسسها Aliko Dangote Africa أغنى شخص.
وقامت الشركة بتصميم نموذج تصنيع مقاوم للصدمات من خلال تحقيق مفهوم التكامل الرأسى لسلسلة التوريد، وتوليد الطاقة فى الموقع، والمشاركة القوية مع الحكومة، وأكاديمية صناعية داخلية.
وغالباً ما يكون المبتكرون الأفارقة مدفوعين بأهداف أعمق؛ لأنهم ينظرون إلى مستويات الفقر المرتفعة وفجوات البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية كفرص ولا يهتمون بالعوائق أمام الأعمال التجارية، بالإضافة إلى أنهم ينظرون إليها كقضية إنسانية يشعرون أنهم مسئولون عن حلها.
ويقول ستريف ماسياوا ئيس شركة «أكونت جروب الأفريقية»، إن أفريقيا قارة تواجه تحديات غير عادية فى انتظار أن تتعامل الحكومات معها لكن على رجل الأعمال إذا رأى مشكلة أن يفكر فى الطريقة التى يمكنه حل جزء منها على الأقل.
وتوجد فرص هائلة للنمو فقط لرواد الأعمال الذين هم على استعداد لحل المشكلات والابتكار لتلبية احتياجات أفريقيا غير الملباة، ومن الأمثلة على ذلك «Paga»، وهى شركة ناشئة لنقل الأموال عبر المحمول فى نيجيريا قامت بتسجيل أكثر من 8 ملايين مستخدم فى أقل من عقد وحالياً تقوم بالتعامل مع تحويلات بنحو مليارى دولار سنوياً كمدفوعات.