تهدف اتفاقية منطقة التجارة الحرة لأفريقيا القارية (AfCFTA) الموقعة فى مارس 2018 إلى إنشاء سوق واحد بجميع أنحاء القارة. ويمثل هذا التحدى، أيضاً، فرصة لتوسيع نطاق توفير السلع العامة الإقليمية بما يحرر الطاقات الكامنة للقوى الاقتصادية بالمنافع المتبادلة، مستغلة مزايا التنمية فى كل بلد على نطاق إقليمى.
ورصد تقرير معهد «بروكنجز الأمريكى» لعام 2019 التقدم المحرز فى قضايا السلام والأمن، والتعدين، والطاقة لتوقعات مستقبل الاقتصاد فى القارة السمراء.
وركز تقييم التقدم المحرز فى عملية التكامل عبر أفريقيا على المجموعات الاقتصادية الإقليمية المعترف بها من قِبل الاتحاد الأفريقى والتى تهدف فى المقام الأول إلى تعميق التجارة داخل المنطقة.
لكن التكامل الإقليمى عملية معقدة تتخطى مجرد تبادل الوصول إلى الأسواق والتعاون، فعلى الأقل هناك دائماً حاجة إلى السكك الحديدية والطرق ووسائل الاتصال الأخرى لدعم التبادل التجارى البينى.
وبحسب نتائج بحوث المعهد الأمريكى، فإنَّ عدداً من المنظمات الإقليمية التى تتعامل فى مجالات المنافع العامة الإقليمية أظهرت نجاحات فى 5 تعاملات فى الطاقة و15 فى إدارة الأنهار والبحيرات و3 فى قضايا السلام والأمن وواحدة بقضايا البيئة.
وبالنسبة لتبادل السلع، فالسمة المميزة الرئيسية للسلع العامة الإقليمية هى أنه على عكس المنافع العامة الوطنية، لا توجد هيئة حكومية واحدة تتمتع بسلطة الدولة لضمان توفير السلعة وتبادلها إقليمياً.
ونظراً إلى أن جميع المجموعات الاقتصادية الإقليمية تضم أكثر من عضوين، فمن الضرورى اتخاذ بعض الإجراءات الجماعية على مستوى الدول لتوفير هذه المنافع العامة على نطاق إقليمى.
وتوجد قطاعات أخرى يمكن تعميم المنفعة العامة مثل تبادل المعرفة «التعليم والبحث العلمى»، وبناء وتشغيل البنية التحتية عبر الحدود والبيئة، والصحة والسلام والأمن.
ومن المنظور الاقتصادى، ليست المهمة سهلة عبر المشهد الأفريقى؛ حيث تكون تكلفة السياسات العامة مرتفعة؛ بسبب أزمة مرور السكان عبر الحدود، بالإضافة إلى صعوبات تواجه النقل الجوى والممرات البرية.
وتوجد تكاليف مرتفعة، أيضاً؛ بسبب اختلافات سياسة البلدان الأعضاء، وهو ما يفسر صعوبة عملية صنع القرار المشترك لاستيعاب الآثار غير المباشرة، خاصة فيما يتعلق بفقدان السيادة الوطنية على شىء ولو مجرد تداول سلعة، وذلك بسبب ضعف الثقة فى أفريقيا، ما جعل التعاون يقوم على الجهود الحكومية ثم الدولية.
وتحتفظ كل بلد بحق النقض (الفيتو)، ويقتصر دور المنظمة الإقليمية على أنها أمانة تنسيقية تضع المعايير أو تقدم الخدمات فى بعض الأحيان باختصار، تفتقر هذه الهيئات الإقليمية إلى سلطة حقيقية على الدول الأعضاء لتقديم هذه المنافع العامة الإقليمية.

وتتطلب ترتيبات التجارة الإقليمية العميقة مثل الاتحادات الجمركية والأسواق المشتركة مؤسسات سياسية شاملة أكثر من الترتيبات الضحلة مثل مناطق التجارة الحرة.
وتشير الدلائل إلى أن العضوية فى ترتيب تجارى إقليمى عميق يقلل من احتمال نشوب نزاع إلى حرب، ما يوفر دعماً مباشراً لهدف السلام الذى يتم ذكره غالباً فى المجتمعات الاقتصادية الإقليمية، على سبيل المثال، المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ومجموعة شرق أفريقيا.
وفى ضوء ذلك، فإنَّ التكاليف المرتبطة بالتفاوض على ترتيبات التجارة الإقليمية العميقة فى أفريقيا «الاتحاد الجمركى الجنوب أفريقى، والمجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا، والاتحاد الاقتصادى والنقدى لغرب أفريقيا» تتحمل مسئوليتها الدول المحتلة القديمة.
وتمثل زيادة التجارة بين الأعضاء فرصة لرفع تكلفة الفرصة البديلة للحروب المستقبلية بين الأعضاء عن طريق تعزيز الترابط الاقتصادى.
■ البنية التحتية
يعتبر أداء قطاعات البنية التحتية فى جميع أنحاء أفريقيا ضعيفاً ما يستدعى تدويل إصلاح البنية التحتية إلى المستوى الإقليمى الذى من شأنه أن يساعد على عدة مستويات.
أولاً، تصبح أوجه القصور فى البنية التحتية أكثر أهمية؛ حيث تنخفض الحواجز أمام التجارة إذا كان ذلك بسبب مرور البضائع عبر شبكات البنية التحتية.
ثانياً، بما أن تحرير التجارة قد طوَّر البنية التحتية للاتصالات الدولية، فإن شبكاتها المرتبطة ستعمل بكفاءة أكبر إذا تم تنظيمها دولياً.
ثالثًا، سيتم تقليل احتمال أن يكون تنظيم العمل بمثابة حماية ضد المنافسة الدولية إذا كان التنظيم على المستوى الإقليمى.
ويعد تنسيق السياسات ومواءمة اللوائح وتنسيق دور المؤسسات القانونية، قدر الإمكان، خطوات مهمة فى الطريق نحو التكامل الإقليمى العميق لكن فرض الضرائب على أنشطة التعدين وتطوير شبكات الطاقة هى أمثلة على التحديات التى تواجه جهود التقدم على صعيد التعاون.
■ قطاع التعدين
يتبع العديد من البلدان الأفريقية استراتيجية تصنيع قائمة على المعادن، وهذا يتطلب التنسيق بين الدول لاستغلال وفرة المواد الخام بالقارة، وفى هذا المجال سيساعد المركز الأفريقى لتطوير المعادن على بناء نهج إقليمى للتدفقات المالية غير المشروعة فى الصناعات الاستخراجية، والتى تقدر بنحو 25 مليار دولار فى السنة، وذلك من خلال تنسيق الأنظمة المالية.
ومع ذلك، فإن ملخصاً للأنظمة المالية فى 21 دولة مصدرة للذهب فى أفريقيا والتى أجرتها مؤسسة «فيردى الدولية» يظهر أن تبادل الإيجارات بين الحكومة وشركات التعدين متعددة الجنسيات تباين بشكل كبير بين الدول.
على سبيل المثال، فى جميع أنحاء الاتحاد الاقتصادى والنقدى لغرب أفريقيا، تراوحت معدلات الضرائب على صادرات الذهب بين %2 و%16 فقط فى عام 2016.
■ قطاع الطاقة
لا يزال تطوير أسواق الكهرباء الإقليمية يمثل تحدياً فى جميع أنحاء العالم وليس أفريقيا وحدها، وتعتبر تجارة الكهرباء عبر الحدود منخفضة فى كل مكان.
وفى عام 2012، بلغت صادرات الكهرباء نحو %3 من الإنتاج العالمى بينما كانت %17 للفحم، و%31 للغاز، و%52 للبترول.
لكن أفريقيا التى تضم العديد من البلدان الصغيرة ستستفيد من تجارة الكهرباء بشكل مميز، شريطة أن تكون البنية التحتية الصلبة فى نطاقها وأن تكون البنية التحتية الناعمة «نظام الحكم» جديرة بالثقة.
ومن المقرر أن يستفيد 250 مليون شخص بربط الكهرباء عبر الكهرباء الشمسية الصحراوية الضخمة بامتداد منطقة الساحل، وفقاً لمبادرة «الصحراء من أجل الطاقة» التى يدعمها بنك التنمية الأفريقى.
ومن المتوقع أن يسهم هذا المشروع فى توفير نفقات تمثل 2-%4 من الناتج المحلى الإجمالى للقارة كل عام.
ويصف تقرير معهد «بروكنجز» المشهد فى مستوطنة «نجويرير» شبه الحضرية الصاخبة فى زامبيا؛ حيث يعيش ما يقرب من 1000 شخص على مشارف العاصمة لوساكا؛ حيث يمكن رؤية خطوط الكهرباء التى تسير بجانب الطريق الرئيسى، لكن السكان أنفسهم لم يحصلوا قط على شبكة كهرباء، لكنَّ ذلك لم يمنع أصحاب الأعمال التجارية المغامرين من إقامة 3 أروقة للفيديو ومسرح للأفلام، وذلك بفضل مجموعة من البطاريات تعمل بالطاقة الشمسية بقدرة 12 كيلووات وبنك للبطاريات تم تثبيتهما بواسطة شركة Standard Microgrid، والتى توفر، أيضاً، الطاقة لمحلات البقالة وصالونات الشعر وما يقرب من 100 منزل.
ويهتم المطورون والجهات المانحة والعملاء على نحو متزايد بإمكانية توفير الشبكات متناهية الصغر للكهرباء لمئات الملايين من الأشخاص الذين يفتقرون إليها، لا سيما فى جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
وتعتبر البنية التحتية للشبكات باهظة الثمن، وغالباً ما تكون عُرضة للأحمال الروتينية وانقطاعات قد تستمر لأيام أو أكثر، ما يضر بالمنازل والشركات والمرافق العامة.
وتوفر أنظمة الطاقة الشمسية المنزلية ذات الشعبية المتزايدة الطاقة للاستخدامات الشائعة مثل الإضاءة وشحن الهاتف المحمول وحتى التبريد، لكنها غير كافية للعديد من التطبيقات التجارية.
وتوفر هذه الشبكات المصغرة المجموعة المناسبة من القدرة على تحمل التكاليف والموثوقية والقدرة على الوصول إلى مناطق الخدمة التى تحتاج إلى طاقة أكبر مما توفره الألواح الشمسية المنزلية، ولكن ليس لديها كثافة تحميل كافية لتغذية الشبكة المركزية.
وتتمتع الاستثمارات فى شبكات التمويل الأصغر بالنمو المستمر؛ حيث تم تخصيص أكثر من 250 مليون دولار فى التزامات الدين العام فى دول أفريقيا جنوب الصحراء وحدها، ليصل إجمالى الاستثمارات فيها لأكثر من 4 مليارات دولار.
وفى الوقت نفسه، لا تزال الشبكات متناهية الصغر تواجه عدداً من الحواجز منها متطلبات رأس المال المرتفعة والعائدات المنخفضة لكل عميل، لذلك معظم المشاريع الخاصة تتطلب رأسمال منخفض التكلفة مع فترات القرض من 10 إلى 15 سنة.
ومن التحديات الأخرى أن المناطق الجاذبة للشبكات الصغرى جاذبة، أيضاً، للشبكات المركزية الحكومية، ما يعنى تعرضها للتوقف فى حين أن المخططين الحكوميين عادة غير ملزمين بالتخطيط مع الأخذ فى الاعتبار تضرر مطورى القطاع الخاص خارج شبكتهم، لذلك، بالإضافة إلى المخاطر المعتادة للاستثمار فى الاقتصادات الناشئة، يخاطر مطورو القطاع الخاص بتهدم الأصول عندما تصل الشبكات المركزية.
ولا يمكن النظر للملكية العامة كحل سحرى بالنسبة للشبكات متناهية الصغر، فغالباً ما تواجهها أمراض القطاع العام المتعلقة بضعف الصيانة والاستدامة على المدى الطويل، بالإضافة إلى كل ذلك يوجد قصور شديد فى البحوث الصارمة حول كيفية التغلب على هذه الحواجز.
■ المبادرات الفئوية
تحتاج مشاريع التعاون الإقيلمى لدعم فئات متنوعة من المجتمع فى الاقتصاد خصوصاً المرأة الأفريقية التى تعانى هضم حقوقها على عدة أصعدة.
ففى القطاع الزراعى يمثل العنصر النسائى جزءاً مهماً من اليد العاملة، وهو قطاع مسئول عما يزيد على 4 مليارات دولار من الخسائر الغذائية فى القارة والتى يمكن إنقاذها باستخدام الآليات التجارية التى تزيل القيود الهيكلية والمؤسسية لتسهيل حركة الأغذية من أماكن الفائض إلى الأماكن الأكثر حاجة.
وتمثل اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية حقناً ديناميكية جديدة فى تنمية أفريقيا؛ لأنها تؤثر على حركة السلع والخدمات التى تمس مباشرة العاملين فى الاقتصاد غير الرسمى.
ومن خلال حركة السلع يمكن تسليط الأضواء على النساء اللواتى ناضلن، دائماً، لنقل منتجاتهن الغذائية عبر الحدود، ولكن فى كثير من الأحيان دون دعم مؤسسى وإهدار لحقوق الوصول إلى الإنتاج.
ويتوقع الكثيرون أن تعزيز التجارة الإقليمية سيتبعه إصلاحات داخلية حقيقية للحد من الممارسات الجوهرية القائمة على التميز من حيث النوع الاجتماعى فى التجارة عبر الحدود، ما يسمح للنساء وللشباب أيضاً بتمكينهم من الوصول إلى السوق الجديدة.
وتحتاج الأسواق لدعم دور المرأة والشباب فلا غنى عن دور السوق فى تحقيق طموحات التنمية بأفريقيا خاصة فيما يتعلق بالأمن الغذائى لشعوبها.
وتؤكد الأرقام مشاركة المرأة الأساسية بالقطاع الزراعى، ففى غرب أفريقيا شكلت %40 من مرحلة الإنتاج و%80 من مرحلة التجهيز، و%70 من مرحلة التوزيع وأكثر من %90 فى مبيعات المواد الغذائية الجاهزة للاستهلاك.
ومن الواضح أن زراعة الكفاف وحدها لا تكفى لإبعاد القارة عن انعدام الأمن الغذائى والذى يقدر بحوالى 60% من إجمالى استهلاك الأسرة، ما يعنى توفير %40 من الاستهلاك من مصادر أخرى باستخدام السوق الإقليمى.
وتشير التقارير الدولية إلى أن أحد العوامل المساهمة فى هشاشة دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى هو ضعف الاعتماد الإقليمى لدعم نظام الإمداد الغذائى، وبالتالى لا تواجه القارة السمراء مشكلة إنتاج المزيد بقدر ما هى أزمة فى توزيع ما يتم إنتاجه.
وتحتل المرأة الأفريقية نصف طبقة العاملين لحسابهم الخاص بل وتهيمن فى القطاع غير الرسمى على حصة %84 من إجمالى العمالة فى عام 2011 مع مساهمة كبيرة فى اقتصادات أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بقيمة %55 من الناتج المحلى الإجمالى فى المنطقة.