فى فيلا 57 بشارع المدينة المنورة المتفرع من شارع الحجاز بالحى السابع بمدينة أكتوبر، يمتد ممر فى نهايته طابقين العلوى للعاملين، والأرضى لرئيس الجمعية الحالم منذ سطوع نجم المدينة إعلامياً عام 1974 أن تشهد عملية شاملة لرفع كفاءة البنية التحتية، وتوفير دعم للصناع، وبناء مقر يليق بأكبر منطقة صناعية تم إنشائها فى مصر بعد حرب أكتوبر عام 1973.
التقت «البورصة» الدكتور محمد خميس شعبان، أحد كبار المستثمرين بالمنطقة، ورئيس جمعية مستثمرى السادس من أكتوبر، لفتح دفتر أحوال الجمعية منذ انتهاء حرب أكتوبر المجيدة وحتى انتهاء المرحلة الأولى لبرنامج الإصلاح الاقتصادى، مروراً بحرب البناء والتعمير.
وقال «شعبان»، إن المنطقة الصناعية بمدينة السادس من أكتوبر تم إنشاؤها فى عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات بعد حرب أكتوبر عام 1973 تزامناً مع اتجاه مصر لتطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادى وإصدار قانون 43 لسنة 1974 الخاص بنظام استثمار المال العربى والأجنبى والمناطق الحرة.
وأضاف شعبان: «أكتوبر كانت باكورة المدن الصناعية بعد الحرب وبداية عودة القطاع الخاص بقوة، وتلتها قيام كيانات اقتصادية كبرى منها العاشر من رمضان ومدينة السادات».
وتابع: تأسست الجمعية عام 1984 بواسطة 30 شركة أبرزها ألكتروستار وسيديكو للأدوية وجهينة، ودومتى، وتم تشكيل أول مجلس إدارة ترأسه المهندس حسين دبوس، ووفق قانون الجمعيات الأهلية، فإن الانتخابات كانت تقام كل 6 سنوات من خلال اسقاط ثلثى لأعضاء مجلس الإدارة كل سنتين وعددهم 15 عضواً.
واستكمل: «بدأنا بـ30 مصنعاً وحاليًأ أكتوبر أكبر المناطق الصناعية بعدد 3500 مصنع موزعين على 11 نشاطاً صناعياً منها الصناعات الغذائية، والملابس الجاهزة والمنسوجات، والصناعات الهندسية».
وذكر أنه بعد تطبيق الحكومة سياسات الانفتاح الاقتصادى فى السبعينيات صدرت حزمة من القوانين الاقتصادية كان منها قانون 118 لسنة 1975 للاستيراد والتصدير، وقانون النقد الأجنبى رقم 97 لسنة 1976، والقانون رقم 43 لسنة 1974 وتعديلاته الخاص بفتح باب الاقتصاد المصرى لرأس المال العربى، والأجنبى فى شكل استثمار مباشر فى كل المجالات.
وأشار إلى أن الجمعية شهدت ازدهاراً كبيراً فى فترة تولى الدكتور أحمد أبوالعينين رئاسة الجمعية وذلك لقوة علاقته بجميع المسئولين فى الدولة ثم أعقبه المهندس محمد سعودى، ومن بعده المهندس محمد جنيدى ثم محمد المنوفى.
وتابع: «جميعة أكتوبر كان لها السبق فى التعاون مع جمعية مستثمرى العاشر من رمضان، والعبور، وجمعية برج العرب فى إنشاء الاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين وكان مقره مدينة السادس من أكتوبر وأول رئيس له كان المهندس محمد الجيوشى».
وقال إن الهدف من إنشاء الاتحاد كان توصيل أصوات جمعيات المشروعات الصغيرة والمتوسطة مثل جمعية أسوان، والمنيا، وبنى سويف فى ذلك التوقيت إلى الحكومة، لأن أصحاب تلك المشروعات كانت تواجه صعوبة فى التواصل مع المسؤلين، بالإضافة إلى لم شمل المستثمرين فى كيان واحد.
وذكر أن المناطق الصناعية التى أنشئت فى عهد الرئيس السادات كانت فكرة وتم تعميمها على عدد من المحافظات فى ذلك الحين والآن تستكمل الحكومة ما بدأته، وقال شعبان إن الانفتاح الاقتصادى كان عبارة عن خطة اقتصادية طويلة الأجل وضعها السادات بعد حرب أكتوبر تتضمن بناء دولة حديثة قائمة على تنويع مواردها الاقتصادية ليكون اقتصادها قائم على الزراعة، والصناعة.
أوضح أن أبرز الإيجابيات التى نتجت من الانفتاح الاقتصادى فى ذلك التوقيت دعم القطاع الخاص من خلال تشجيعه وإسناد مشروعات قومية له ينفذها، بجانب فتح الباب أمام رأس المال العربى والأجنبى للاستثمار فى مصر لتوفير مزيد من فرص العمل.
وأشار إلى أن سياسات الانفتاح الاقتصادى خلقت أيضاً بعض المشكلات، إذ ظهرت بعض الفئات التى استغلت التسهيلات التجارية فى الاستيراد وأنشأت سوقاً سوداء وكونت منه ثروات سريعة، وظهرت أيضًا فئة من السماسرة والمقاولين استغلوا الإعفاءات الضريبية والتسهيلات كحلقة وسيطة بين الشركات الخارجية والمستثمر الأجنبى وبين الدولة فانتشرت فى هذه الطبقة ظاهرة الرشاوى والعمولات واصبحوا من الأثرياء، واستعرض «شعبان» مراحل تطور منطقة السادس من أكتوبر الصناعية، وقال: «كنا نضم 30 مصنعاً فقط أصبحنا الآن نضم 6 مناطق صناعية تحوى 3500 مصنع».
وقال إن مدينة السادس من أكتوبر تضم بجانب المصانع القائمة نحو 500 مصنع متوقف ومتعثر لأسباب مختلفة منها سوء الإدارة، أو تراكم الفوائد على المديونيات، بالإضافة إلى فقدان بعض الأسواق التصديرية لصعوبة المنافسة نتيجة ارتفاع الأسعار.
وتابع: «نسعى لإيجاد حلول للمصانع المتعثرة وذلك من خلال تسهيل عملية التمويل من البنوك، أو توفير مستأجرين للمصنع، أوتقديم أوراق المصنع لإحدى اللجان الفنية لمساعدتهم فى تسويق منتجاتهم اذا كانت هذه هى المشكلة».
وأشار إلى أن جميع القطاعات الصناعية تأثرة بالتغيرات الاقتصادية التى أعقبت تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى، باستثناء الصناعات الدوائية، والغذائية نظراً لكونهما من الصناعات الرئيسية التى لا يمكن الاستغناء عنها من قبل المستهلكين.
وتابع: «الاقتصاد المصرى أوشك على التعافى والإجراءات الاقتصادية التى اتخذتها الحكومة كان لابد من اتخاذها منذ سنوات وهى تشبه العملية الجراحية للمريض الذى يتألم وينزف حتى يتعافى ويسكن ألمه».
واستطرد: «أغلب المستثمرين متفهمين هذا الإصلاحات لأنهم يطمحون إلى تحول اقتصادى يخاطب الحقيقة غير مبنى على دعم وأسعار وهمية، معتبراً أنها خطوة فاصلة فى تاريخ مصر تحملناها وننتظر النتيجة».
واشار إلى أن الصناعة تأثرت سلبًا بقرار تعويم الجنيه فى بداية تطبيقه، لأنه تسبب فى زيادة جميع مستلزمات الإنتاج وهو ما انعكس على السعر النهائى للمنتج الذى صاحبه ركود بسبب توقف حركة البيع، وما ترتب عليه من تراجع للطاقة الإنتاجية للمصانع.
وأشار إلى أن المشروعات القومية التى تنفذ حاليًا من قبل القطاع الخاص والحكومى عوضت حالات الركود خلال العامين الماضى، والحالى.
وأشاد شعبان بقرار البنك المركزى بخفض أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض، وقال إن الخفض يشجع المستثمرين على الاقتراض واستمكال خططهم التوسعية.
وذكر شعبان، أن أبرز المشكلات التى تواجه عمل المصانع فى الفترة الحالية هى أزمة الضريبة العقارية التى فرضت على المصانع من قبل وزارة المالية، وقال إن الجمعية تقدمت بخطابات لرئاسة الجمهورية، ومجلس الوزراء لإلغائها أو إعادة النظر فيها إلا أنها لم تتلق أى ردود إيجابية».
وأشار إلى تلقى الجمعيةأكثر من 100 شكوى من مستثمرين تفيد بأن مصلحة الضرائب حجزت على أرصدة الشركات فى البنوك لعدم سداد المستحقات المالية.
وقال إن الجمعية عقدت اجتماعًأ موسع حضره رئيس مصلحة الضرائب لمناقشة هذه الأزمة، والمساهمة فى حلها لتجنب عرقلة نشاط القطاع الصناعى، ووقعت الجمعية بروتوكول تعاون مع مصلحة الضرائب لحل جميع المشكلات أولاً قبل اتخاذ أى إجراء قانونى ضد المستثمرين.
وطالب رئيس الجمعية جميع الجهات الحكومية بتخفيف الأعباء على المستثمرين، ومحاولة إيجاد حلول عبر التعامل بـ«روح القانون»؛ حتى يتسنى لهم استمرار عملية الإنتاج بمصانعهم وتحقيق عوائد تمكنهم من السداد.
واشار إلى أن الجمعية اقترحت على المصلحة أنها فى حالة تأخر أى مستثمر عن الدفع لفترة لـ3 و4 أشهر يحجز على قيمة المتأخرات فقط، وليس على جميع ارصدة الشركة.
وعن مساهمة المنطقة الصناعية فى خلق مجتمع سكنى داخل مدينة أكتوبر قال شعبان: «لولا مصانع 6 أكتوبر لما كانت مدينة أكتوبر، لأن التواجد السكانى بدأ تدريجياً من خلال عمل مساكن للعمال ثم للموظفين العاملين بجهاز المدينة ثم دفع رجال الأعمال إلى بناء إسكان مميز ثم دخلت وزارة الإسكان ببناء مساكن اجتماعية.
وأوضح شعبان، أن مدينة 6 أكتوبر تضم حالياً 13 حى سكنى، و6 مناطق صناعية، قائلاً: «ما حدث فى أكتوبر كان أحد أهداف سياسة الانفتاح الاقتصادى وإعادة التوزيع السكانى وعدم حصره فى العاصمة ومدن معينة، والذى عرف حاليًا بخطط غزو الصحراء».
وعن أعمال الجمعية، قال إن الجمعية تنفذ أعمال تنموية فى الفترة الحالية، ورصدت نحو 50 مليون جنيه لإعادة هيكلة مستشفى أكتوبر العام، بالإضافة إلى إنشاء 32 عيادة خارجية بجوار المستشفى، وتجهيز 3 غرف عمليات جديدة، وإضافة 25 سرير عناية مركزة.
وقال إن جهاز مدينة أكتوبر الجديد يدرس حاليًا عمل توسعات جديدة للمنطقة الصناعية بامتداد طريق الوحات، وذلك لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى المنطقة وتلبية احتياجات المصانع التى تسعى للتوسع فى الفترة الحالية.
وقال شعبان، إنه على الرغم من وجود مشكلات تواجه الصناعة فى الفترة الحالية، إلا أن القطاع الصناعى يحقق نهضة حقيقية، وأن الدولة تعتمد عليه فى مكافحة البطالة وتوفير آلاف من فرص العمل.
وأشاد باهتمام الدولة بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة خلال الفترة الحالية، مقارنة بأى وقت مضى، وقال إن هذا الاهتمام واكبه إطلاق مبادرات تمويلية بجانب توسعها فى إنشاء مجمعات صناعية فى كل محافظة.
وأشار إلى أن المشروعات القومية العملاقة التى شهدتها مصر خلال السنوات الماضية مثل إنشاء منطقة صناعية مخصصة للمدابغ والصناعات الجلدية بمنطقة الروبيكى، بالإضافة إلى مدينة دمياط للأثاث الجارى تنفيذها حاليًا سيدفع مصر نحو التقدم والازدهار.
وذكر أن إنشاء مجمعات للصناعات الصغيرة والمتوسطة يعتبر من أكبر المشروعات القومية التى تنفذ فى الفترة الحالية، والتى ستوفر على صغار الصناع أعباء تكاليف البناء واستخراج التراخيص الصناعية.
