
تُوجه الاتهامات دائمًا للضرائب باعتبارها مُعرقل لمسيرة الاستثمار المباشر، ولا يجد أصحاب كل صناعة أو نشاط اقتصادى يواجه تراجعاً إلا الضرائب ليلقوا عليها بالمسئولية، وتتوالى عندها المطالب بمنح المزيد من الإعفاءات لجذب الاستثمارات، وكأن المستثمر لا يبحث إلا عن إعفاءات تمنحه قوة دفع للاستثمار.
ورغم أن مصر – وفق ما أكده صندوق النقد الدولى فى تقريره الصادر فى ديسمبر 2017 – تتبع نظاماً ضريبياً يؤهلها لأن تكون من الدول الجاذبة للاستثمار، سواء من حيث سعر الضريبة التنافسى أو وجود شبكة واسعة من اتفاقيات منع الازدواج الضريبى، إلا أن الحديث عن الإعفاءات الضريبية لا ينتهى.
ودعونا نتفق أن المستثمر – سواء كان أجنبياً أو محلياً – ينظر لعدة عوامل كأولوية قبل اتخاذ القرار الاستثمارى أهمها: انخفاض المخاطر الأمنية والجيوسياسية والاستقرار الاقتصادى خاصة فيما يتعلق بأسعار الصرف ومعدلات التضخم وتدنى مستويات الفساد ووضوح التشريعات والأطر التنظيمية وبنية أساسية قوية.
وفيما يتعلق بالضرائب فإن استقرار السياسات الضريبية يمثل العنصر الأكثر أهمية مقارنة بسعر الضريبة أو الإعفاءات الضريبية.
ولمصر تاريخ طويل فى منح الإعفاءات الضريبية التى كانت تصل إلى منح إعفاءات من ضرائب الدخل لمدة 20 سنة وإعفاءات من قوانين الضرائب فى المناطق الحرة الخاصة والعامة.
وكل المؤشرات تؤكد أن الدولة لم تحصد من هذه الحوافز زيادة حقيقية فى الاستثمارات، وما يؤكد ذلك أنه عند إلغاء تلك الإعفاءات فى عام 2005 لم تنخفض الاستثمارات وعلى العكس زاد صافى تدفق الاستثمار الأجنبى المباشر ليصل إلى أعلى مستوياته فى 2007 بقيمة تصل إلى 11 مليار دولار.
الحوافز والإعفاءات الضريبية تمثل فى كثير من الأحيان تشوهاً فى النظام الضريبى لذلك يجب التعاطى معها بحذر شديد باعتبارها وسيلة وليست هدفاً فى حد ذاتها وبالتالى فإن مبدأ منح الإعفاءات الضريبية أو إلغائها على إطلاقها كلاهما خطأ وإنما يجب أن تتقرر الإعفاءات أو الخصومات الضريبية عبر دراسات علمية دقيقة وتفصيلية يتم على أساسها تحديد أنواع كل من الدخول والجهات والأنشطة المستحقة للإعفاء والأهم من ذلك إجراء مقارنة بين الأثر الاقتصادى لمنح الإعفاء أو الخصم الضريبى وبين تكلفته المالية Tax expenditure أى تحديداً المقارنة بين العائد الاقتصادى المتوقع لمنح الإعفاء وبين الإيرادات الضريبية التى سوف تخسرها الدولة.
والأهم من منح إعفاءات ضريبية من وجهة نظرى هو الالتزام بقواعد الضرائب الدولية لأنها فى غاية الأهمية بالنسبة لجذب الاستثمار الأجنبى المباشر عن طريق الشركات متعددة الجنسيات وكذلك فى تحقيق الحصيلة الضريبية عبر مكافحة التهرب الضريبى الدولى.
كما أن استقرار المنظومة الضريبية وإصلاح التشريع الضريبى وتطوير الإدارة الضريبية تمثل أهم عناصر تشجيع الاستثمار من الناحية الضريبية بالطبع إلى جانب كل من الاستقرار السياسى والاقتصادى والأمنى.
ورغم ذلك فقد تضمن قانون الاستثمار الحالى حوافز ضريبية للشركات المنشأة حديثاً أكثر فعالية من حيث التكلفة من مثيلتها بقوانين الاستثمار السابقة، حيث يسمح للشركات المنشأة حديثاً بخصم نسبة تتراوح بين %30 إلى %50 من تكاليف الاستثمار من أرباحها الخاضعة للضريبة بالإضافة إلى خصم مصروفات الإهلاك المعتادة، وهذا الحافز يشجع على الاستثمار من خلال خفض تكاليف رأس المال.
ومجمل القول أن الإعفاءات الضريبية منفردة ليست هى العصا السحرية لجذب الاستثمارات ولكنها عامل ضمن حزمة عوامل كثيرة إذا ما اجتمعت تزيد الاستثمارات الأجنبية والمحلية.
بقلم عمرو المنير؛ نائب وزير المالية للسياسات الضريبية سابقا؛ وخبير الضرائب الدولية