تتجه أنظار عدد من القطاعات الصناعية، نحو محافظات الصعيد؛ بحثاً عن فرص استثمارية جديدة، تمكنهم من التطور والنمو، بدلاً من تركزها داخل القاهرة الكبرى ومحافظات الوجه البحرى، الأمر الذى يعزز من قدرتها التسويقية ويحرك عملية المبيعات.
وقال مستثمرون إن بعض المنتجات التى يتم استيرادها؛ لتغطية الطلب فى السوق لمحلى، تصنع فى محافظات الصعيد، وتنفذها كيانات صناعية متوسطة وصغيرة، ما يؤكد أن محافظات الصعيد لا تزال بكراً، ومتعطشة لمزيد من الاستثمارات الصناعية الجديدة التى تتلائم مع طبيعتها.
من جانبهم، بدأ عدد من المستثمرين الإنشاءات الأولية لمشروعاتهم فى بعض محافظات الصعيد، فى حين أن البعض الآخر يراقب نجاح تلك الاستثمارات حتى يبدأ فى إعداد دراسات الجدوى للاستثمار فى الجنوب.
ويُتوقع الصناع أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من المنافسة فى خلق مجتمع صناعى متكامل أكثر تطوراً فى محافظات الصعيد.
قال أشرف هلال، رئيس شعبة الأدوات المنزلية بغرفة القاهرة التجارية، رئيس شركة القلعة الأوروبية للأدوات المنزلية، إنَّ الاستثمار فى محافظات الصعيد لم يعد اختيارياً أمام المستثمرين فى الفترة الحالية؛ نظراً إلى خطط التنمية التى تنفذها الدولة فى جميع المجالات هناك.
وأضاف لـ«البورصة»، أنَّ المستثمر الصناعى الذى يتوجه نحو محافظات الصعيد يجب أن يُعد دراسات جدوى بشكل أكثر دقة؛ لأن طبيعة الاستثمار فى القاهرة الكبرى تختلف عن الاستثمار بها، من حيث القوى الشرائية ونوعية المنتجات التى تناسب احتياجات المستهلكين.
وبلغت استثمارات المرحلة الأولى لمصنع البورسلين الذى سيُقام بمدينة الأدوات المنزلية فى محافظة المنيا بنحو 120 مليون جنيه.
أشاد «هلال»، بالحوفز التى منحتها الحكومة للمستثمرين فى محافظات الصعيد، خصوصاً منحهم الأرض كاملة المرافق (كهرباء، غاز، مياه) بالمجان، ما أدى إلى رفع عبء كبير من على المستثمرين، إذ كان يتم استنزافهم فى شراء الأرض، وتوصيل المرافق سابقاً.

هلال: نحتاج دراسات جدوى أكثر دقة لأن الوضع مختلف عن القاهرة
كانت هيئة التنمية الصناعية خصصت نحو 150 ألف متر مربع لإقامة مجمع لصناعة الأدوات المنزلية نهاية 2017 بمنطقة المطاهرة الصناعية فى محافظة المنيا.
وتسلمت 5 شركات أراضى ضمن المشروع لإقامة مشروعات إنتاج بورسلين وألومنيوم وزجاج وحقن بلاستيك وتجميع أجهزة كهربائية، وصناعات مغذية، وإستانلس ستيل.
وبحسب شعبة الأدوات المنزلية بالغرفة التجارية، فإنَّ مصانع الأدوات المنزلية الجارى إنشاؤها ستوفر نحو 700 فرصة عمل.
ومن المنتظر أن تغطى %25 من احتياجات السوق المحلى فور تشغيلها.
وقال محمد شكرى، نائب رئيس غرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات، إنَّ مستثمرى القطاع يختلفون عن باقى المستثمرين فى القطاعات الأخرى مثل الصناعات الهندسية، والكهربائية؛ لأن وجودهم فى أى مكان مرتبط بعوامل لا بد من توافرها.
وأضاف أن الصناعات التحويلية من الممكن أن تجد فرصة لها داخل محافظات الصعيد منها صناعة البسكويت، والحلويات، لكن الصناعات التى تعتمد على وجود خامات زراعية يتم عمل قيمة مضافة عليها، تواجه صعوبات.
أشار إلى أن دخول الاستثمارات الغذائية إلى الصعيد مرهون بالاستثمار فى الزراعة أولاً، مثلما حدث فى محافظة أسيوط خلال السنوات الماضية، إذ تم التوسع فى زراعة الرمان.
ويدرس عدد من المستثمرين إقامة مصانع لاستغلال هذه الوفرة حالياً.
ولفت إلى أن قطاع الصناعات الغذائية ليس فى حاجة إلى حوافز استثمارية مثل إعفاءات ضريبية أو دعم الطاقة، بقدر ما يحتاج إلى توفير بنية تحتية زراعية تساعد على خلق صناعات تكميلية، بالإضافة إلى شبكة طرق تربط جميع محافظات الصعيد لتسهل عملية التسويق.

شكرى: دخول التصنيع الغذائى بعد الاستثمار فى القطاع الزراعى
وقال سيد أباظة، نائب رئيس غرفة مواد البناء باتحاد الصناعات، إنَّ ارتفاع تكلفة النقل بجانب ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج على مدار السنوات الثلاث الماضية، حفز عدداً كبيراً من مستثمرى مواد البناء على إقامة مصانع داخل محافظات الصعيد لامتصاص هذه التكاليف.
وأضاف أن الفترة الأخيرة شهدت دخول عدد كبير من مستثمرى مواد البناء فى الصعيد، كان أبرزها إنشاء مجمع صناعى متكامل بمحافظة سوهاج لصالح مجموعة حديد المصريين.
وبدأت مجموعة أسمنت المصريين نهاية 2017 تنفيذ أكبر مجمع صناعى لمواد البناء فى صعيد مصر، وأنشأت أول مصنع أسمنت كمرحلة أولى بالمجمع.
وذكر «أباظة»، أن التنمية العمرانية التى تنفذها الدولة وشركات المطور العقارى فى مدن الصعيد، والتى تتمثل فى إنشاء مدن سكنية جديدة، خلقت فرصاً جديدة لمصنعى مواد البناء لم تكن موجودة سابقاً.
وأشار إلى أن غرفة مواد البناء باتحاد الصناعات عقدت مؤتمراً بعنوان «مواد البناء.. نحو صعيد مصر» نهاية الشهر الماضى بمحافظة أسوان؛ لبحث الفرص الاستثمارية المتاحة هناك.
وأوضح أن المحافظ وعد بحل جميع المشكلات التى تواجه المستثمرين، وتسهيل إجراءات الاستثمار فى قطاع المحاجر، لتحقيق أكبر استفادة من المزايا النسبية لمحافظة أسوان فى الخامات المحجرية بهدف التصدير.
أضاف «أباظة»، أن المحافظة بالتعاون مع الهيئة العامة للتنمية الصناعية، خصصت منطقة صناعية لمواد البناء على مساحة 50 فداناً، بناء على رغبة المستثمرين، ومن المقرر أن يتم ترفيقها وطرحها على المستثمرين العام الحالى.
وأوضح أن عدداً كبيراً من مستثمرى مواد البناء داخل القاهرة الكبرى، يرغب فى الاستثمار بالصعيد.
وتوجد مفاوضات، حالياً، مع الهيئة العامة للتنمية الصناعية لتخصيص منطقة صناعية أخرى على غرار التى تم تخصيصها فى أسوان داخل إحدى محافظات الصعيد.
وقال شريف عبدالمنعم، رئيس شركة صن رايز للأدوات المنزلية، إنَّ الشركة بدأت أعمال إنشاءات مصنعها داخل المنطقة المخصصة للأدوات المنزلية بالمطاهرة بمحافظة المنيا مطلع 2019.
وأضاف أن الشركة كانت تستورد جزءاً كبيراً من الأدوات المنزلية بجانب عملية التصنيع. لكن توجه الدولة مؤخراً إلى ترشيد عملية الاستيراد والتصنيع المحلى، دفع الشركة إلى إنشاء مصنع جديد لها داخل محافظة المنيا.
وسيغذى إنتاج المصنع، جميع محافظات الصعيد، بالإضافة إلى توجيه جزء من الإنتاج إلى الأسواق التصديرية، خصوصاً الدول المجاورة ومنها ليبيا، والسودان، وتونس، وعدد من الدول الأفريقية.

وتابع «عبدالمنعم»: «لولا الحوافز التى منحتها الدولة للمستثمرين خلال الأعوام الثلاثة الماضية للاستثمار فى الصعيد، لم يكن سيبدى أى مستثمر رغبة فى إقامة مشروعات صناعية داخل تلك المحافظات».
ولفت إلى أن المشكلة الوحيدة التى تواجه المستثمرين فى المنطقة الصناعية للأدوات المنزلية، هى عدم رغبة البنوك فى تمويل شراء المعدات والآلات لبدء عملية التشغيل والإنتاج، وهو ما يتطلب مساعدة الدولة للمستثمرين حتى يبدأوا التشغيل والإنتاج.
وقال يحيى زلط، رئيس مركز صناعات الجلود المتطورة، إن المركز اقترح على هيئة تنمية الصعيد، إنشاء مدينة صناعية للجلود بمحافظة أسوان، على غرار مدينة العاشر من رمضان، على أن تتخصص فى إنتاج جميع المنتجات الجلدية التى تتماشى مع جمهور الصعيد.
أشار »زلط«، إلى أن تعافى السياحة المصرية وعودتها إلى سابق عهدها خلال العام الماضى دفعا مستثمرين فى قطاع الصناعات الجلدية، إلى إبداء الرغبة فى إنشاء كيانات صناعية متخصصة فى صناعة الجلود والتى تخدم بشكل كبير القطاع السياحى فى محافظتى أسوان والأقصر.
وأوضح أنه يتم ترتيب زيارة إلى محافظة أسوان قريباً، ستضم وفداً من مصنعى المنتجات الجلدية؛ لبحث نوعية المنتجات التى تتطلبها المحافظة، ومعرفة الحوافز التى ستمنحها للمستثمرين.
وقال سمير عارف، رئيس جمعية مستثمرى العاشر من رمضان، إنَّ الاستثمار فى محافظات الصعيد خلال السنوات الماضية كان مخاطرة، لكنَّ اهتمام الحكومة بتنمية الصعيد، حالياً، شجع عدداً من المستثمرين على ضخ استثمارات هناك.
وأضاف «عارف»: «هؤلاء المستثمرون الجدد فى الصعيد يمرون بمرحلة اختبار حالياً.. فإما أن ينجحوا وعلى أثرهم تدخل استثمارات جديدة إلى الصعيد، وإما يتوقفوا، وتفشل جميع خطط التنمية المستهدفة».
وقال صبحى نصر، عضو مجلس إدارة الاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين، إن العام الجارى هو عام دعم الصناعة المصرية فى جميع محافظات مصر.
وتغيير فكرة المستثمرين بأن الصعيد غير مؤهل لإقامة مشروعات صناعية لن يكون بالشعارات بل بالتجارب الناجحة.