فى اﻷعوام اﻷخيرة، بدت هيئات إنفاذ العقوبات، خصوصاً فى الولايات المتحدة، وكأنها تستعرض عضلاتها عبر فرض غرامات ضخمة تشعر بآلامها البنوك، ورغم عدم خضوع أى مقرض لغرامة قياسية تقدر بـ 8.9 مليار دولار، التى وافق بنك “بى.إن.بى باريبا” الفرنسى على دفعها فى عام 2014، إلا أن الضغوط لم تتراجع منذ ذلك الحين.
ففى العام الماضى، دفع “ستاندرد تشارترد” 1.1 مليار دولار لتسوية التهم الموجهة إليها بانتهاك العقوبات، فى حين دفع “سوسيتيه جنرال” أكثر من 1.3 مليار دولار لتسوية تحقيقات متعلقة بليبيا، كما وافق بنك “يونكريديتو” الإيطالى على تسوية بقيمة 1.3 مليار دولار بسبب مزاعم انتهاك برامج العقوبات الأمريكية، لذلك، لا غرابة فى محاولة المصرفيين أتمتة أنظمتهم بشكل أكبر، من خلال التحول إلى الذكاء الاصطناعى، فى ظل القهر المعتاد المتعلق بالخضوع إلى كثير من اللوائح التنظيمية.
وقال الشريك فى شركة “بيكر أند ماكنزى” للمحاماة، سفين بيتس، إن البنوك تستخدم التكنولوجيا بشكل أكثر لمساعدتها فى إدارة مخاطر العقوبات والامتثال لها.
وأوضحت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، أن هناك جزءاً من المشكلة يأتى عند محاولة تحديد ما إذا كان العميل المحتمل، سواء كان فرد أو شركة، يخضع لقيود العقوبات. فمن السهل البحث عن اسم شخص ما، ولكن قد لا يكون من السهل اكتشاف الشركة إذا كانت مملوكة لشركة وهمية تتمتع بملاذ ضريبى وتخضع لسيطرة فرد خاضع للعقوبة.
وأشارت إلى إمكانية تسريع عملية التحقق مما إذا كان العميل الجديد مقبولا أم لا، وهو ما تسميه البنوك “onboarding” باستخدام برنامج يمكنه تحديد ما إذا كان لدى العملاء أى روابط أو صلة بأطراف أو دول خاضعة للعقوبات.
وأوضح بيتس، أن مثل هذه الحزم أصبحت أكثر تطوراً فى تحديد ما إذا كان هناك مساهم أو مدير خاضع للعقوبات فى الشركة التى يفكر البنك فى التعامل معها.
والتقى المصرفيون، فى أحد فرق التمويل التجارى التابعة لبنك أمريكى، المنظمين لمناقشة كيفية استخدام الذكاء الاصطناعى لتتبع حركة البضائع.
على سبيل المثال، من خلال استخدام التكنولوجيا لتسليط الضوء على المناطق الحمراء مثل مورد السيارات الذى يبيع المواد الغذائية التى قد توحى بطريقة ما بشكل من أشكال الاحتيال أو غسل الأموال.
وهناك بعض الاستثناءات الشائكة لهذا النظام فى عالم التجارة، فلاتزال السلع ذات الاستخدام المزدوج، المستخدمة نظرياً ﻷغراض جيدة مثل الإلكترونيات أو المواد الكيميائية، والتى يمكن تكييفها للاستخدام كأسلحة أيضاً، بحاجة إلى تحليل يدوى، نظراً لمستوى التعقيد الذى تنطوى عليه.
ومثل الشركات الأخرى، عندما تواجه تعقيدات عند محاولة معرفة ما إذا كان العميل قد يكون مخالفاً لقواعد العقوبات، توقفت العديد من البنوك عن الإقراض فى بعض الدول، معتقدة أن الشركات أو الأفراد فى بلد خاضع للعقوبات قد تأتي بمجموعة كاملة من القضايا الأخرى، مثل الاحتيال أو الإتجار بالبشر أو تمويل الإرهاب، وهو أمر قد يلعب أيضاً دوراً فى تحديد ما إذا كان البنك بإمكانه التعامل معهم أم لا؟
وتنظم البنوك أيضاً، القروض للشركات مع بنود تنص على أن الشركة تنتهك العقد وستضطر إلى سداد القرض حال خرقها لقواعد العقوبات، ولكن هذا اﻷمر لن يعفى البنك بشكل كامل فى نظر الجهة المنظمة، بل قد يُنظر له على أنه يخفف من مستوى مسئوليته.