فى بداية عام 2020، وبحلول رأس السنة القمرية الصينية الجديدة، بدأ انتشار فيروس كورونا المستجد، وكان بمثابة هجوم مفاجئ على الشعب الصينى، لكن الشعب الصينى لم يتراجع ولم يُهزم أمامه، وفى الوقت الحالى، تحت القيادة الحكيمة للرئيس الصينى شى جين بينغ، يقف الشعب الصينى تعداده 1.4 مليار فى صف واحد وبقلب واحد لمواجهة فيروس كورونا المستجد، وتعمل الصين على حشد جميع مواردها للخوض فى هذه المعركة ضد الفيروس.
بعد جهود شاقة لا تتوقف، هناك تغيرات إيجابية تحدث الآن بخصوص فيروس كورونا المستجد، وتأتى الأخبار المشجعة من جميع أنحاء الصين، حيث انخفضت سرعة زيادة عدد حالات الإصابة وعدد الوفيات بشكل ملحوظ، حتى لم تسجل عديد من المقاطعات الصينية أى حالة الإصابة لأيام متتالية، وعلى الرغم من أن مدينة ووهان بمقاطعة هوبى هى مركز انتشار الفيروس، إلا أن وضع فيها قد خضع للسيطرة الفعالة.
تدل كل هذه المؤشرات الإيجابية على أن الفيروس قابل للسيطرة عليه وقابل لعلاجه، على الرغم من شراسته، فى المؤتمر الصحفى لفريق الخبراء المشترك بين الصين ومنظمة الصحة العالمية والذى عُقد فى بكين مساء يوم 24 فبراير، أشاد الدكتور بروس إيلوارد كبير مستشارى المدير العام لمنظمة الصحة العالمية بالتدابير العظمية والمرنة والفعالة التى اتخذتها الصين لمواجهة هذا الفيروس غير المعروف لدى الناس.
كما أشار إلى أن “الإجراءات الصارمة التى اتخذتها الصين لمكافحة فيروس كورونا المستجد فى أنحاء البلاد، خاصة مدينة ووهان قد تنجح فى حماية مئات الآلاف من الأشخاص من الإصابة به”، على مر تاريخ البشرية، حققت البشرية تقدماً مطرداً من خلال مواجهة مختلف الفيروسات والأمراض، وعلى مر تاريخ الصين، تغلبت الصين على مختلف الصعوبات والتحديات التى لم تساهم إلا فى تعزيز قوتها وتنميتها، فإننا على يقين بأننا نقدر على الانتصار على فيروس كورونا المستجد فى أقرب وقت ممكن.
لا حدود جغرافية للفيروس، ولا تعرف الصداقة الحقيقية إلا عند الشدة، لم تكن الصين تقاتل فيروس كورونا المستجد الشرس بوحدها، إلا أنها حصلت على دعم ومساندة واسعة النطاق من المجتمع الدولى، حتى الآن، قد أعرب أكثر من 170 رؤساء الدول والحكومات عن تضامن دعمهم للصين.
كالصديق الحميم للصين، وفرت مصر دعمها القوى ومساندتها المخلصة إلى الصين حكومة وشعباً فى حربها ضد الفيروس، إذ قد بعث الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى ببرقية إلى الرئيس الصينى شى جين بينغ، معربًا عن الدعم والثقة للصين حكومة وشعباً، كما أجرى وزير الخارجية المصرى سامح شكرى مع مستشار الدولة وزير الخارجية الصينى وانغ يى اتصالاً هاتفياً للتأكيد على وقوف مصر إلى جانب الصين فى مواجهة الفيروس، ومما يجدر بالإشارة إليه أن مصر تتخذ جميع الإجراءات الوقائية اللازمة وفقاً للتوصيات المتخصصة الصادرة عن منظمة الصحة العالمية وغيرها المنظمات الدولية المتخصصة، دون فرض قيود مفرطة وغير لازمة على السفر والتجارة الدوليين، مما يعكس حرص الحكومة المصرية على الوقاية من الفيروس دون ترك تأثيرت سلبية على تحقيق رؤيتها التنموية العظيمة.
أمام فيروس كورونا المستجد، يتضافر الجانبان الصينى والمصرى الجهود المشتركة فى مكافحته، وفى الوقت نفسه تعملان على تعزيز التعاون العملى بينهما، إذ يشهد التعاون الثنائى فى مجالات التجارة والاستثمار والبنية التحتية والمالية والتكنولوجيا المتقدمة وبناء القدرات وغيرها تطوراً سريعاً وتقدماً ملحوظاً.
شهد عام 2019 حزمة من الفعاليات الاقتصادية والتجارية الناجحة بين الصين ومصر، والتى أحدثت زخمًا قويًا للتعاون العملى بين البلدين، وفى يناير عام 2019، عُقدت الاجتماع الوزارى الثالث للتعاون الصينى المصرى فى مجال الطاقة الإنتاجية، حيث وقع الجانبان على محضر الاجتماع الذى حدّد المشاريع التعاونية ذات الأولوية في المرحلة القادمة والمجالات التعاونية الجديدة مثل السيارات الكهربائية والطاقة الشمسية والمنسوجات وغيرها.
وفى يونيو عام 2019، شاركت مصر كضيف الشرف في المعرض الاقتصادى والتجارى الصينى الأفريقى الأول فى مدينة تشانغشا بمقاطعة هونان الصينية، والذى يعد منصة مهمة لتعزيز أوجه التعاون الصينى الأفريقى، بالإضافة إلى ذلك، أنشأت الصين ومصر أيضًا آلية التنسيق والتشاور لمشاريع “الحملات الثمانى” التى طرحتها قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي، من أجل حسن متابعة تنفيذها.
فى مجال التجارة، حافظت الصين على مكانتها كالشريك التجارى الأكبر لمصر عام 2019، وفقًا لبيانات الجمارك الصينية، بلغ إجمالى حجم تجارة البضائع بين البلدين 11.742 مليار دولار فى الفترة ما بين شهرى يناير ونوفمبر عام 2019، ومما يسرنا كثيراً أنه بفضل الجهود الدؤوبة المبذولة من البلدين، شهد حجم الصادرات الزراعية المصرية إلى الصين زيادة مستمرة تخدم تخفيف اختلال التوازن التجارى بينهما.
فى مجال الاستثمار، تعمل الحكومة المصرية على تحسين مناخ الاستثمار من خلال تبنى سلسلة من السياسات الحافزة التي ساهمت بشكل كبير في جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، فى الفترة ما بين شهرى يناير ونوفمبر عام 2019، وصلت الاستثمارت الصينية المباشرة الجديدة فى مصر إلى 88.89 مليون دولار، لتشمل مجالات الأجهزة المنزلية والدراجات النارية والزراعة وغيرها.
فى مجال البنية التحتية، يسير مشروع إنشاء منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة بشكل سلس، وقد انتهت شركة “تشاينا هاربر” الصينية بنجاح من تنفيذ مشروع إنشاء حوض ثان للحاويات فى ميناء العين السخنة، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من مشروع إنشاء شبكات الكهرباء جهد 500 كيلوفولت الذى تنفذه شركة State Grid الصينية بحلول يونيو 2020، كما يتقدم مشروع القطار المكهرب بمدينة العاشر من رمضان بخطوات ثابتة، والذى يمثل الأول من نوعه فى مصر.
فى مجال التعاون المالى، فى السنوات الأخيرة، قدمت الحكومة الصينية والمؤسسات المالية الصينية قروضًا وائتمانات بأشكال مختلفة لمصر بقيمة تعاقدية تزيد على 7 مليارات دولار، مما وفر دعمًا قويًا للتعاون الاقتصادى والتجارى بين الجانبين.
فى مجال التكنولوجيا المتقدمة، حقق التعاون الفضائى بين الصين ومصر نتائج مرموقة فى إطار مبادرة “الحزام والطريق”، حيث يتم حالياً تنفيذ مشروع إنشاء مركز التركيب والتجميع والاختبار للأقمار الصناعية بشكل سلس، وقد تم إطلاق مشروع القمر الصناعى “مصر سات 2” الذى تموله الصين، بعد إنجاز هذين المشروعين، ستصبح مصر أول دولة أفريقية تتمتع بالقدرات المتكاملة على تركيب وتجميع واختبار الاقمار الصناعية.
في مجال بناء القدرات، في عام 2019، دعا الجانب الصينى 695 مسئولاً أو باحث أو فنى مصرى للمشاركة فى الدورات التدريبية الصينية، ووفر منح دراسية لـ366 طالباً مصرياً، كما تعمل الشركات الصينية الموجودة فى مصر على تأهيل الشباب المصريين، على سبيل المثال، قد أنشأت شركة هواوى من خلال التعاون مع جامعات مصرية 47 معهد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التى وفرت التدريب لأكثر من 1500 طالب جامعى مصرى.
منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين ومصر قبل 64 عاماً، تتطور العلاقات الثتائية دائماً بخطوات سليمة وسريعة، مهما كانت التغيرات على الصعيدين الدولى والإقليمى، وأمام فيروس كورونا المستجد، لن تنسى الصين أبدا ما توفره مصر لها من الدعم والمساندة فى هذا التوقيت الاستثنائى الذى تمر الصين به.
وبعد انهيار الفيروس، لن يسجل التاريخ فقط بسالة الشعب الصينى وصموده ونجاحه فى التغلب على الفيروس، بل سيسجل أيضا التضامن والتكاتف بين الصين ومصر فى مواجهة التحدى المشترك، وإن الصين على استعداد تام لمواصلة العمل مع مصر على حماية الصحة العامة العالمى وتوطيد الشراكة الاستراتيجية الشاملة الصينية المصرية وتعميق التعاون العملى بينهما، بما ينعم أبناء الشعبين بثمار تلك الصداقة الثمينة.
بقلم لياو لى تشيانغ السفير الصينى بالقاهرة
