الاقتصاد وكورونا والجو!! من رحم الأزمات تخلق الفرص.. بقلم إبراهيم مصطفى


اقتصادنا يا تعبنا الحلقة 112


خلال العام الماضى كتبت مقالتين، محللاً وضع الاقتصاد العالمى، ومتسائلاً: هل نحن بصدد أزمة اقتصادية عالمية وشيكة؟ ثم تناولت فى مقالات متخصصة فى وضع التجارة العالمية والحرب التجارية بين الصين وأمريكا، وكتبت عن انخفاض معدلات الاستثمار الأجنبى المباشر عالمياً وازدياد الاستثمارات فى أدوات الدين، وازدياد حجم الديون عالمياً.. مع التذبذب فى أسعار النفط.. وبقائها عند مستويات منخفضة، كما كتبت عن الاقتصاد والصحة ضارباً المثل بمرض التوحد عند الأطفال، ومعاناة الأسر من قيود التجارة على الأدوية المخصصة لهذا المرض فى الاستيراد المحلى كغيره من باقى الأمراض دون توفير بدائل.

وتأتى رياح كورونا من الصين لتنتقل من أزمة صحية محلية إلى عالمية لتجعل من أوروبا بؤرة لفيروس كورونا.. ثم لتنتشر إلى باقى دول العالم من غربه فى الأمريكتين إلى شرقها؛ حيث تفشت وتعولمت إلى منطقة الشرق الأوسط بما فيها المنطقة العربية.. ومنها مصر التى تقع فى قلب العالم.. مع تعافى الصين منه.

ومن سعى حثيث للدولة المصرية لحصد ثمار النمو، واستكمال مسيرته، مستهدفاً معدلات أعلى ببرامج إصلاح هيكلى بعد الانتهاء من برنامج الإصلاح المالى والنقدى وما نتج عنه من آثار إيجابية على مستوى المؤشرات الكلية مع تحسن سعر صرف الجنيه، وكذلك الآثار الإيجابية لاكتشافات الغاز.. والنهضة الكبيرة فى قطاع البنية الأساسية والمرافق.. ومع تعافى بعض القطاعات التى تدر موارد دولارية، ولاسيما قطاع السياحة وتحويلات العاملين بالخارج.
تأتى علينا تحديات كورونا والطقس السيئ الذى مرت به البلاد خلال الأسبوع الماضى، وإن كان تركيزى فى هذا المقال كان من المقرر له أن ينصب أكثر على تحليل الآثار الاقتصادية لكورونا عالمياً ومحلياً، فان الآثار السلبية للطقس خلال الأيام الماضية –جعلنى أضمه جزئياً لهذا المقال لإلقاء الضوء على التحديات التى تواجهها مصر- وتوقعات الأرصاد للآثار السلبية الجمة التى ستحل نتيجة هذا الطقس، مما دفع الحكومة للتعامل بحرفية فى إدارة هذه الأزمة رغم ضخامة تلك الآثار وكونها تحدث لأول مرة منذ زمن بعيد فى ضوء بنية أساسية قديمة وإمكانيات محدودة وتكاتف الشعب المصرى مع الدولة بأجهزتها التى لم تكل ليلاً ونهاراً عن التواجد فى كل المحافظات للتقليل من الآثار السلبية وظهور عظمة الشعب المصرى فى تقديم يد العون، لكن من اضطرتهم الظروف السيئة للتواجد فى الطرقات التى غمرتها الأمطار إلى جانب القرى التى تضررت من السيول.. يجعلنى أقول إن هذه البلد خلدت وستخلد للأبد صامدة تقف على رجليها مهما كانت التحديات بأبنائها.. رغم الخسائر الكبيرة التى أضرت بالبلد عبر الفترات الزمنية المختلفة.

وهو ما يجعلنى انتقل للحديث عن أزمة كورونا التى توقع العديد من المحللين أن تصل الخسائر الاقتصادية إلى أكثر من 3 تريليونات دولار خسرت فيها أسهم البورصة المصرية أكثر من 100 مليار جنيه خلال أسابيع وأكبر 5 بورصات خليجية أكثر من 270 مليار دولار منذ مطلع 2020، وتوقع وصول خسائر شركات الطيران العالمية إلى أكثر من 1.5 تريليون دولار، بالإضافة إلى توقع وصول خسائر التصدير عالمياً إلى أكثر من 50 مليار دولار، وانخفاض أسعار البترول عالمياً إلى متوسط 30 دولاراً (بنسبة 50%)، مما يعمق خسائر الدول المنتجة له وازدياد عجز موازناتها فى ظل استمرار الآثار السلبية لهذا الفيروس، حيث وصل الأمر إلى غلق مدن باكملها (روما –ميلان- مدريد).. ووقف رحلات الطيران من مطارات أمريكا من وإلى مطارات أوروبا لمدة شهر.. وخطاب ميريكل متوقعة إصابة 60-70% من سكان ألمانيا بهذا المرض، وخطاب جونسون بتوقع فقد مزيد من الأحباء بسبب هذا المرض، وكذلك خطاب ماكرون، وتعليق الدراسة والأنشطة الرياضية فى العديد من دول العالم ومنها أعنى الدوريات الأوروبية، ومما سيترتب عليه تعميق الركود العالمى الذى بدأ مع الحرب التجارية الأمريكية منذ أكثر من عام، الأمر الذى سيترتب عليه إعادة النظر فى معدلات النمو العالمية المتوقعة خلال 2020 وحركة الاستثمارات والتجارة العالمية، بالإضافة الى ارتفاع تكاليف الشحن والخدمات اللوجيستية نتجية تفشى المرض وازدياد اجراءات الحجر الصحى فى جميع الموانئ البرية والبحرية والجوية. 

فنحن مر علينا الكثير من أنواع الحروب العسكرية والنووية والحرب الباردة ثم الاقتصادية ثم البيولوجية وكل خلف آثار مدمرة كثيرة على جميع الأصعدة.. ولاشك أن كل منها له أسباب فى حدوثه بين مؤامرات وصراع على القوة وزيادة مناطق النفوذ ولكنها تحكمها الصالح بجميع أنواعها… يكفى أن الصين هى أكبر دائن لأمريكا والفجوة التجارية لصالحها تبلغ ما يزيد على 300 مليار دولار، وتسعى للتخلص من هيمنة الدولار منذ فترة بعد ضم عملتها لسلة العملات المعتمدة دولياً لدى صندوق النقد الدولى، حيث تسعى لإصدار عملة رقمية، كما أنها بدات التخلص من دفع التزاماتها الدولية فى مجال استيراد البترول من خلال إبرام عقود استيراد تحوطية باليوان مقومة بسعر الذهب عالمياً وقت إبرام العقود لضمان عدم التذبذب.

وبالعودة إلى كل تلك المعطيات المتعلقة بازمة كورونا سنجد أن ما سببته من خسائر كبيرة للدول والشركات جعل تدخل الدولة محتوما للتخفيف من آثارها، فأمريكا ضخت 500 مليار دولار فى سوق المال لديها وطالبت جميع الشركات العالمة فى المجال الطبى والدوائى للجلوس مع الحكومة للوصل على حلول لعلاج هذ المرض وعلقت الدراسة بجميع صورها، ومصر خصصت 100 مليار جنيه لمواجهة الآثار السلبية له، وسبقتها دول الصين وإيطاليا والعيدد من الدول، وها ما يتطلب تكاتف دولى لهذا المرض على جانب الجهود المحلية.

ولكن من رحم الأزمات تخلق الفرص – وبالبلدى كدة الشاطر اللى يقش؛ فالصين اشترت العديد من الشركات التى انهارت أسهمها أو اختل وضعها الاقتصادى رغم الأزمة التى مرت بها لكن ثمار سنوات طويلة من النمو والتجارة كاكبر ثانى اقتصاد عالمى بعد أمريكا خلق لديها احتياطى نقدى كبير يفوق 3 تريليونات دولار، مما يساعدها على تقديم العون لشركاتها وشراء الشركات التى انخفضت قيمتها يقينا منها على إجلاء الأزمة فى الأمد المتوسط واستعدادها من الآن لإعادة ترتيب أوراقها ومكانتها إقليمياً وعالمياً repositioning.

ولن تنسى الصين ما فعلته مصر فى الوقوف بجانبها فى أصعب أزماتها عندما أرسل لها الرئيس السيسى وزيرة الصحة لتقديم جميع سيل الدعم المتاحة من قبل مصر والاستفادة من الصين فى الكشف عن وعلاج المرض؛ وهو ما يعبر عن بعد النظر للسياسة الخارجية المصرية فى عهد الرئيس السيسى، والتى تعد من الملفات الناجحة جملة وتفصيلاً، ولعل استغلال مقالتى هنا بنصح الرئيس السيسى والحكومة على تشجيع إقامة مناطق صينية صناعية فى مصر فقد قلت منذ زمن Go East بالتركير على اجتذاب رؤوس الأموال والشركات من شرق آسيا كمركز لهم للاستفادة من السوق الأفريقية الكبيرة وهو ما يتطلب تقديم حوافز تنافسية مختلفة.

الأمر الذى ينقلنى للحديث عن كيفية استفادة مصر من هذه الأزمة وما خلفته من آثار سلبية عالمياً وإقليمياً ومحلياً، فانخفاض سعر الدولار لأكثر من 30 دولاراً هابطاً بقوة من 60 دولاراً إلى 29 دولاراً خلال الأسبوع الماضى ونحن دولة مستوردة للبترول سيكون له أثر كبير على تحقيق فائض ضخم فى الموازنة المصرية إذا استمرت الأسعار عند هذا المستوى المنخفض، حيث ان انخفاض سعر البترول بمقدار دولار واحد سيوفر للموازنة 4 مليارات دولار.

وهو مايعنى أن انخفاض سعر البترول إلى متوسط 30 دولاراً سيوفر فى حدود 120 مليار دولار وبالتالى سيكون له أثر كبير على سعر الصرف الذى انخفض على مدار عام كامل إلى 15.50 فى المتوسطة بعد أن وصل إلى أكثر من 18 جنيهاً للدولار منذ أكثر من عامين قبل أن يستقر عند مستويات 17.70- 17.80 لفترة زمنية طويلة.. ورغم عودتها إلى الارتفاع قليلاً بسبب الأحداث العالمية من كورونا وتباطؤ عالمى فى ظل الحرب التجارية بين أمريكا والصين، فهذا الوفر سيكون له آثار إيجابية كبيرة على سعر الصرف بالانخفاض لصالح الجنيه من جانب وعلى عجز الموازنة من جانب آخر وعلى تكلفة الدين المحلى والخارجى من ناحية ثالثة وسيعوض الآثار السلبية لانخفاض الموارد الدولارية فى الفترة القادمة بسبب ما يحدث فى الاقتصاد العالمى، كما سيساعد الدولة على توجيه المزيد من الأنفاق على الخدمات التى تهم المواطن من صحة وتعليم ومرافق مع استمرار هذا الوفر وهو أمر يهم المواطن والدولة معاً، كما سينعكس على اسعر الفائدة المحلية بالانخفاض.

وعلى مستوى اسعار المحروقات، فإنها ستنخفض بالتبعية بشكل كبير خلال الفترة القادمة، ويعد حالياً الوقت الأنسب للحكومة لتخفض اسعار الطاقة ولاسيما اسعار الغاز للمصانع حيث وصل سعره عالمياً بعد الانخفاض إلى 1.6-1.7 دولار، بينما يقدم فى مصر للمصانع بأكثر من 5 دولارات.. وهو ما سينعكس لاحقاً على أسعار السلع والخدمات، كما أنصح الدولة بتطبيق آلية تسعير للكهرباء والمرافق، أسوة بما يحدث بأسعار المحروقات ومراجعتها كل 3 أشهر حتى يشعر المواطن بالمصداقية وأن آلية العرض والطلب تحكم التسعير، بالإضافة إلى تشريد نفقات إنتاجها من جميع أنواع المرافق.

وهنا، أدعو هنا الحكومة المصرية إلى استيراد البترول وتخزينه فى ظل الأسعار المنخفضة للغاية له حالياً، كما تفعل الولايات المتحدة، وكذلك الحال بالنسبة للغاز لا ضرر فى استيراده الآن فى ظل انخفاض أسعاره عالمياً وتخزين ما يتم إنتاجه أيضاً كاحتياطى، وهو حذو حميد يمكن تطبيقه فى جميع السلع التى انخفض سعرها عالمياً ومصر فى حاجة لها.. بمنطق اقتناص الفرص من رحم التحديات..

واختم بأن تحليل الآثار والفرص لا تكفيها مقالة، لكن كان لابد من إثارة الموضوع بهذا الشكل للتوعية وتعديل الدفة..
حفظ الله مصر وشعبا.. وتحيا مصر.

وما نبغى إلا إصلاحا وتوعية..

بقلم: إبراهيم مصطفى
خبير اقتصاد واستثمار وتطوير أعمال

لمتابعة الاخبار اولا بأول اضغط للاشتراك فى النسخة الورقية او الالكترونية من جريدة البورصة

منطقة إعلانية

نرشح لك


https://alborsanews.com/2020/03/17/1307885