كانت الأسواق الناشئة غائبة على الأغلب من المحادثات العالمية بشأن التدابير الخاصة لمواجهة الركود الناتج عن فيروس كورونا، وهو أمر غير معقول بالنظر إلى أنهم معرضون بشكل فريد لمخاطر الوباء، وينبغى القيام بمجهودات أكبر لمساعدتهم.
وتستطيع الدول الغنية اللجوء إلى بنوكها المركزية، والدول الفقيرة استفادت من مبادرة تخفيف الديون من مجموعة العشرين، ولكن الـ106 دولة فى المنتصف والذين يشكلون ثلاثة أرباع سكان العالم لا يستطيعون الاعتماد على تخفيف الديون أو سخاء البنوك المركزية لتمويل برامج الإنفاق الكبير، ومع ذلك، فإن هذه الدول بالتحديد هى ما ستكون الأكثر تضررا من فيروس كورونا.
وسبعة من أصل 10 دول ذات أعلى معدل إصابات بكوفيد 19 عالميا هى دول نامية، وتعد الإغلاقات التى ساعدت على احتواء الفيروس فى الدول الأغنى أقل فاعلية بكثير فى الأسواق الناشئة، وتوقفت العديد من تلك الدول عن محاولة احتواء الفيروس، ودخلت الأمم متوسطة الدخل فى هذه الأزمة فى وضع سيء أساسا يتسم بارتفاع مستويات الدوين وركود الاقتصادات ومعاناة الأنظمة الصحية العامة ومستويات خطرة من عدم المساواة، وكانت أمريكيا اللاتينية هى الأسوأ حالا، ولكن الحال لم يكن أفضل كثيرا فى بعض أجزاء الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا.
والآن، يهدد كوفيد 19 بدفع عشرات الملايين من الناس فى الأسواق الناشئة إلى براثن الفقر مجددا، كما يخاطر بمفاقمة مشكلة عدم المساواة ما قد يشعل موجة ثانية من الاضطرابات الاجتماعية ويعطى زخما جديدا للحركات الشعبوية، وحتى الآن، فإن معظم الدول متوسطة الدخل تمكنت من المحافظة على وصولها للأسواق الرأسمالية، ولكن الهدوء خادع: فعندما تضرب موجات الركود الأسواق الناشئة بقوتها الكاملة، سوف تنفجر عجوزات الموازنة وتشعل سلسلة من خفض التصنيف الائتمانى من قبل وكالات التصنيف وتخيف المسثتمرين، وأظهر اختبار تحمل أجرته شركة الأبحاث «أبسلوت استراتيجي» بلندن أن %37 من سندات مؤشر «جى بى مورجان» لسندات الأسواق الناشئة قد يواجهوا خطر التعثر على مدار العام المقبل أو نحو ذلك.
وكان صندوق النقد الدولى ولا يزال نشطا بشكل خاص فى هذه الأزمة وأقرض الدول النامية 25 مليار دولار، كما يتيح خطوط ائتمان مرنة للكثير من الدول، واستفادت 72 دولة حتى الآن وهناك المزيد من الدول تقف فى الصف، ولكن الأموال الموجهة لم تقترب بأى شكل من الأشكال من مقابلة الاحتياجات التمويلية البالغة 2.5 تريليون دولار التى توقعها صندوق النقد للأسواق الناشئة.
وتدرس بعض الدول الغنية إقراض بعض حقوق السحب الخاصة التابعة لهم فى صندوق النقد الدولى للجزر الأكثر تضررا فى المحيط الهادى والبحر الكاريبي، وهى خطوة جديرة بالثناء، ولكن هناك الكثير الذى ينبغى القيام به، وينبغى على سبيل المثال فى اجتماع وزراء مالية مجموعة العشرين فى نهاية الأسبوع المقبل أن يضعوا على أجندتهم مجددا المقترح الذى تم تقديمه أوائل العام الجارى وهو زيادة مخزون الأموال لدى صندوق النقد الدولى من خلال إصدار حقوق سحب خاصة إضافية بمقدار تريليون دولار.
وحتى ذلك الرقم لن يكفى على الأغلب، وينبغى إشراك القطاع الخاص والصين كذلك فى بعض الحالات، وتعيد الإكوادور والأرجنتين بالفعل هيكلة ديونهم وسوف تتبعهم الدول الأخرى بالتأكيد، وأصبحت عمليات إعادة هيكلة الديون فوضوية، وفى الماضى كانت الديون عبارة عن ديون مشتركة من قبل عدد قليل من البنوك، ولكن اليوم سندات الأسواق الناشئة تمتلكها أعداد كبيرة من الصناديق والتى عادة يكون لها مصالح متنافسة ولا يوجد لديها آلية واحدة لإدارة عمليات إعادة هيكلة الديون السيادية.
وفى هذه الأيام، يعطى دور مقرض الملاذ الآخير صندوق النقد الدولى ميزة فريدة لأنه إذا أقرض الدول لسداد المتأخرات، فإن سيطرة الدائنين من القطاع الخاص على دولة ما سوف يقل بقدر كبير، وسوف يكون من الأفضل للدول التى تواجه صعوبات أن تتوصل لاتفاق مع الدائنين والذى يضمن استدامة الديون.
ومع ذلك، وفى غياب مثل هذا الاتفاق، يتعين على صندوق النقد دعم أى دولة لديها برنامج إعادة هيكلة موثوق، واليوم أكثر من أى وقت مضى، هناك ضرورة أخلاقية وعملية لذلك الدعم.
افتتاحية صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية.
إعداد: رحمة عبد العزيز