طرحت الحكومة مؤخرا مجمعات صناعية في عدد من المحافظات، لخدمة قطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة.
ورغم كونها أبرز مطالبهم خلال السنوات السابقة، إلا أنها خيبت آمال البعض، لارتفاع أسعار التمليك أو حتى الإيجار.
وطرحت وزارة التجارة والصناعة نحو 1657 وحدة صناعية بـ 7 محافظات، وهي الإسكندرية، والبحر الأحمر، والغربية، وبني سويف، والمنيا، وسوهاج والأقصر.
وتأتي هذة المجمعات في إطار المبادرة التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، لمساعدة صغار الصناع الراغبين في إقامة مشروعات جديدة أو التوسع في مشروعاتهم القائمة.
ورغم طرح البنك المركزي المصري، للعديد من المبادرات الميُسرة للقروض المخصصة للقطاع الصناعي، إلا أن البعض يشكو صعوبة تحقيق الشروط الواجب توافرها للاستفادة من تلك المبادرات.
قال نادر عبد الهادي، رئيس جمعية تحديث الصناعات الصغيرة، إن المجمعات الصناعية التي تطرحها الدولة بين الحين والآخر، تشوبها بعض المشكلات التي تعرقل استغلالها والاستفادة منها، وأولها، السعر المرتفع الذي لا يتناسب مع مبتدئ في القطاع الصناعي، يبحث عن فرصة.
وأضاف أنه لابد من مراعاة أن الصناعة لا ترد تكلفتها قبل 3 سنوات على الأقل وأحيانا 5 سنوات.. لذلك يجب أن تكون فترة سماح لعام أوعامين يُعفى خلالها صاحب المجمع أو المستأجر من أية تكاليف، مراعاة لكونه يستهلك السيولة المتاحة لديه في تجهيز الماكينات والمواد الخام، وبالإضافة لكونه في البداية ولا يمتلك عملاء بعد.

عبد الهادى: أسعار الوحدات لا تناسب المُصنعين الجدد
وتابع عبد الهادي: “الحصول على التمويل، لن يكون شاقا على أي صانع يحصل على مجمع صناعي، ولكنها تكون تمويلات ضئيلة لا تتناسب وطبيعة بعض الصناعات، والتي تحتاج مبالغ ضخمة حتى وإن كانت مازالت في طور الصناعة الصغيرة أو المتوسطة.. لذلك يجب مراعاة طبيعة كل قطاع على حدة. وقيمة التمويلات يجب أن تكون مرنة ومتغيرة من صناعة لأخرى”.
وتطرق إلى ضرورة إنشاء مجمعات صناعية قريبة من الكتلة السكنية، لتوفير تكلفة نقل العمالة، وضمان استمراريتهم في العمل وعدم التسرب منه، بالذات في الصناعات غير الملوثة للبيئة، أو توفير مواصلات تابعة للمحافظة الموجود بها المجمع تربط بينه وبين المدن..و إذا لزم الأمر أن يكون المجمع في منطقة بعيدة عن الكتلة السكنية.
وشدد على ضرورة مراعاة المساحات المناسبة للصناعات حسب طبيعتها واحتياجات التوسع بها، المُصنع الصغير لن يبقى صغيرا إلى الأبد، لذلك يجب توفير مساحات تتيح إقامة التوسعات وتركيب عدة خطوط إنتاج، ولا يصح إنشاء مجمعات بمنطق “ملاجئ الإيواء”.
وطالب بمراعاة اشتراطات الحماية المدنية، والتي تتطلب وجود عدة قاعات، منها قاعة للإنتاج وأخرى تستغل كمخزن ، وغرفة تغيير ملابس للعمال وهكذا.
أشار عبدالهادي، إلى ضرورة تفعيل قانون المشتريات الحكومة والذي ينص على أن تكون 10% من المشتروات من منتجات الصناعات الصغيرة والمتوسطة، لتوفير سبيل تمويلي غير مباشر يشجع القطاع على الاستمرارية.
وشدد على ضرورة تشديد الرقابة على القرارات الإدارية التي تعطل وتعرقل تطبيق القوانين، مضيفا : “في إحدى الجهات التي كنت أتعامل معها بشكل شخصي، قرر مدير هيئة تابعة لهذة الجهة ، شراء احتياجات الأبنية التعليمية كاملة من مصنع واحد، وهي مسألة مستحيل تطبيقها إلا من خلال مصنع كبير”.
وتابع :” يجب التصدي لمثل هذه القرارات. فالمبيعات الحكومية قد تكون انطلاقة لأحد المشروعات الصغيرة والمتوسطة”.
أما بالنسبة للتحول الرقمي، فاقترح عبد الهادي، إعفاء الصنايعية الصغار من رسوم الدفع الالكتروني، لجذبهم ضمن مبادرة التحول الرقمي، حتى تكون تعاملاتهم المالية داخل المنظومة الرسمية، على أن تتحملها مثلا ميزانيات المسؤولية المجتمعية للبنوك.
وأوضح أن خصم 2% من المعاملات المالية بين الصنايعية وعملائهم تعتبر نسبة كبيرة، إذ إنهم من فئة “الأرزقية” الذين يتكسبون قوت يومهم أولا بأول.
وربما يجد هذا الصنايعي فرصة عمل اليوم ولا يجدها غدًا.. لذلك سيكون هو من أكثر الفئات التي تخشى خصم المصاريف، مما يستلزم تقديم حوافز مغرية لهم حتى لا يتهربوا من التعاملات الرسمية.
وشدد عبد الهادي، على ضرورة مراعاة أحوال الفئات التي تعد متناهية الصغر، ومنهم باعة الخضر والفاكهة و”الأرزقية” والحرفيين، إذ إنها فئات تكاد تكون معدمة. واقتطاع أي قيمة من دخلها المادي للضرائب أو غيرها سيدفعهم للهروب من المنظومة الرسمية.
وتابع: “تشجيع تلك الفئات على العمل داخل المنظومة المالية الرسمية، سيعطي أرقاما أكثر دقة عن الناتج القومي المحلي، وهو ما سينعكس على تصنيف مصر الائتماني.
كما سيساهم في الحصول على بيانات أكثر دقة حول معدلات البطالة. لذلك لا يجب النظر إلى مسألة تحصيل الضرائب فحسب. فبعض الحالات تستحق الإعفاء الضريبي بشرط أن تكون معاملاتها المالية تتم داخل القطاع المصرفي.
وقال حسن الشافعي، رئيس لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بجمعية رجال الأعمال المصريين، إن توفير التمويل بفوائد بسيطة لم يعد مشكلة كما كان الوضع عليه في السابق .. بل على العكس ، فالتمويل متوافر سواء من خلال البنوك أو جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وأضاف :” الدولة مشكورة وفرت المجمعات الصناعية التي طالما نادى بها القطاع، ولكن بعض التسهيلات، ستحقق الاستفادة القصوى من تلك المجمعات، وأبرزها الإعفاء لمدة عام على الأقل من الإيجار أو الأقساط. ففي السنة الأولى يحتاج صاحب المشروعات تدبير خطوط الإنتاج والماكينات، ويكون في أشجد الحاجة للسيولة”.
وشدد على ضرورة الاستعانة بتجارب الدول المختلفة في هذا الشأن، فمثلا التحول الرقمي، قد لا يجذب بعض فئات الصنايعية أو الأرزقية في بادئ الأمر، ولكن في حالة منحهم حوافز قوية، سينضموا للمنظومة الرسمية للحصول على تلك الحوافز.

الشافعى: نحتاج مهلة لا تقل عن سنة قبل بدء التحصيل
ومن أبرز الحوافز المطلوبة، منح المتحولين للعمل في إطار المنظومة الرسمية على التأمينات الصحية والاجتماعية، معاشات استثنائية في حالات إصابات العمل، وهي مسألة تفتقدها هذه الفئة، وتوفيرها سيكون دافعا قويا لهم للعمل تحت مظلة الدولة.
واقترح الشافعي، رفع نسبة مشتريات الحكومة من الصناعات الصغيرة والمتوسطة من 10% إلى 25% وأكثر، لأنها أنسب وسيلة لدعم القطاع بشكل مباشر وتنشيطه، بشرط إلزامهم بجودة مناسبة.
وقال فتحي الطحاوي، نائب رئيس شعبة الأدوات المنزلية بغرفة القاهرة التجارية ، صاحب مصنع تحت الإنشاء، إن منح التمويلات اللازمة من قبل البنوك، يجب أن يكون مرونة ويسر مما هي عليه الآن.
وأوضح الطحاوي، أن البنوك تشترط توفر نحو 50% من قيمة المشروع لدى العميل حتى تمنحه القيمة المتبقية، وهي مسألة لا تتناسب مع المشروعات التي تتطلب تمويلات ضخمة.
وأضاف أنه لم تعد هناك إمكانية أن تصبح البنوك شريكًا استراتيجيًا بالمشروعات، وهو ما يعني أننا فقدنا إحدى الآليات المُيسرة لتنفيذ المشروعات الجادة التي تستحق ذلك.
وتابع الطحاوي : “يجب إعادة النظر في تعريفات المشروعات الصغيرة والمتوسطة ، ومراعاة أن بعض الصناعات الصغيرة قد تتطلب مبالغ ضخمة تبدأ من 60 مليون جنيه، وذلك لا يعني أنها صناعة كبيرة ولكنها صناعة تحتاج خطوط إنتاج باهظة الثمن.
كما أن الإنتاج المحلي فيها لا يغطي 20% من احتياجات السوق. وإذا كنا نملك 50% أو 40% من تكلفة المشروع، لن نحتاج تمويلات بنكية لأننا سنتمكن من تقسيط خطوط الإنتاج والحصول على تسهيلات بشأن سدادها”.

الطحاوى: تمويل القطاعات الإنتاجية يتطلب المرونة
وأشار إلى أن جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة مُقيد لحد أقصى للتمويلات، لا يمكن تجاوزه حتى وإن تطلبت طبيعة الصناعة ذلك.
وطالب الطحاوي، بالمرونة في تلبية احتياجات كل صناعة على حدة، خصوصا إذا كان حجم الواردات في هذه الصناعة مرتفع والسوق متعطش للنظير المحلي منها، فلا يجب التقيد بمصطلحات أو معايير لا تتناسب مع تغيرات السوق المصري والعالمي.
وعلى صعيد المجمعات الصناعية، فإن أكبر مساحة تم طرحها داخل المجمعات الصناعية وصلت لـ 700 متر مربع، في حين تصل تكلفة الإيجار إلى نحو 22 ألف جنيه شهريا، وهو مبلغ كبير بالنسبة لمبتدئ يبحث عن فرصة، إذ توجد تكاليف أخرى.
وأضاف الطحاوي: “أبرز تلك التكاليف، شراء خطوط الإنتاج وتوفير المواد الخام وأجور العمال وتكلفة النقل واللوجيستيات وتكلفة الطاقة والهادر، فضلا عن كون السوق يعمل هذه الفترة بنظام الآجل في البيع والشراء، وهو ما يعني أن المنتج سيحتاج وقتًا أطول لتكوين سيولة كافية لتلبية التزاماته الدورية”.
وشدد على ضرورة تخفيض أسعار تمليك أو إيجار المجمعات الصناعية، بنسبة 50%، على أن تكون السنة الأولى معفاة من أية مصاريف، لأنه لا يتم الإنتاج خلالها، بل هي سنة تجهيز المصنع والمعدات، ولا يوجد أي دخل مادي لصاحب المصنع في السنة الأولى.
واقترح الطحاوي، إنشاء صندوق تمويلي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة تابع لصندوق تحيا مصر، يقدم تسهيلات حقيقية، ويكون أكثر مرونة مع طبيعة الصناعات الناشئة.
وكشف أن بعض البنوك ترفض تمويل المشروعات بأكثر من 30 مليون جنيه، رغم أن خطوط الإنتاج تبدأ من 25 مليون جنيه وتزيد عن ذلك حسب الصناعة.
أضاف أن المشروعات القائمة بالفعل هي القادرة على الحصول على تمويلات جديدة، أما عن المشروعات الجديدة فإنها تواجه صعوبات كثيرة.
ويمكن تسهيل مسألة التمويل، وربطها بالحصول على مجمع صناعي أو أرض صناعية. فدراسة الجدوى التي تحصل على موافقة وتتمكن من الحصول على أحد المجمعات، يتم صرف قرض لصاحبها تسهيلا على المستثمر، وتخفيفا من أعبائه.
وقال بركات صفا، صاحب مصنع ألعاب أطفال بلاستيكية، وهو مصنع متناهي صغير، إنه كان يرغب في الحصول على مصنع داخل أحد المجمعات الصناعية.
وبالفعل زار عددًا من المجمعات التي طُرحت مؤخرًا، ولكن بعدها عن الكتلة السكنية، يجعلها غير مناسبة له.
وأوضح أن وجود المجمعات في منطاق نائية يزيد من تكلفة النقل ، ويرفع أجور العمالة فضلا عن كون العمالة لن تصبح “دائمة” بسبب بعد المكان.
وأشار إلى أن الأسعار المطروحة سواء الإيجار أو التمليك، مرتفعة بالنسبة له، لأن مصنعه متناهي الصغر، ولا تزيد تكلفته الحالية عن مليون جنيه فقط.