سؤال قديم أصبح مفتاح الاقتصاد الحديث.. “ما الذى يحرك أسعار الفائدة؟”


قواعد جديدة أصبحت تحكم الاقتصاد العالمي ويحاول الاقتصاديون استكشافها

بعد تجريده من الأساسيات، أصبح الإجماع الجديد في الاقتصاد يسير على النحو التالى: “من الجيد أن تقترض الحكومات وتنفق مزيداً من الأموال، طالما أنها تستطيع الحصول عليها بثمن بخس”.

لكن كدليل للسياسة، فإن هذه العقيدة تتميز بنقطة عمياء، لأن الاقتصاديين لا يزالوان يواجهون صعوبة في تحديد دوافع أسعار الفائدة طويلة الأجل، أو التنبؤ باتجاهها رغم المناقشات التي دامت على مدى عقدين من الزمن.

وقالت لورا تايسون، كبيرة المستشارين الاقتصاديين في إدارتي الرئيسين السابقين بيل كلينتون، وباراك أوباما، في حوار أجرته مع تلفزيون “بلومبرج”، “إن توقعات أسعار الفائدة تشكل أكبر نقطة عدم يقين في أي توقعات”.

وتعتبر هذه الأمور مهمة في الوقت الراهن، خصوصاً بالنسبة للحكومات التي تحاول معرفة مقدار الإنفاق الآمن للتعافي من الأوبئة، وللمستثمرين أيضاً الذين يتساءلون عما إذا كانت الزيادة في عائدات السندات السيادية هذا العام مجرد لحظة أو بداية حقبة جديدة.

مزيد من القوة

لأعوام، كانت تقديرات تكاليف الاقتراض المستقبلية تميل إلى أن تكون مرتفعة للغاية، ما أدى إلى توقع ديون أكبر والمساعدة في ردع الإنفاق العام.

لكن البعض يشعر بالقلق من حدوث العكس الآن، إذ يمكن أن يشعر السياسيون بالرضا عن أسعار الفائدة المنخفضة، وبالتالي الاقتراض والإنفاق بشكل أكثر من اللازم، ثم حدوث مفاجأة سيئة عند ارتفاع أسعار الفائدة مرة أخرى.

ولكن هناك مدرسة للفكر الاقتصادي تقول إن الحكومات والبنوك المركزية تلعب دوراً أكبر في تشكيل أسعار الفائدة مما يقره السائد. وإذا ترجم هذا الأمر إلى واقع عملي، فإنه يعني أن الدول بإمكانها تحويل تكاليف الاقتراض الخاصة بها إلى خيار سياسة، بدلاً من السعر الذي يتم اكتشافه في السوق.

ويقول كبير الاقتصاديين السابق في شركة “بيمكو”، بول ماكولى، إنها ليست فكرة جديدة، فلطالما كان البنك المركزي يتمتع بسلطة أكبر على أسعار الفائدة طويلة الأجل أكثر مما كان يعتقده الإجماع، لكنه لم يمارس الأمر فقط.

وكان البنك المركزي الياباني يستهدف بشكل صريح تكاليف الاقتراض الحكومية لأعوام، وذلك بموجب سياسة تُعرف باسم “التحكم في منحنى العائد”، ثم حذت أستراليا حذوه خلال فترة تفشي الوباء.

لكن المصرفيين المركزيين، وهم المشترون الرئيسيون للديون السيادية حالياً، لديهم طرق أخرى لتوجيه العوائد دون جعلها أداة سياسية بشكل رسمي.

فعلى سبيل المثال، يقر مسئولو البنك المركزي الأوروبي بشكل غير رسمي بأنهم يديرون تكلفة الاقتراض لحكومات منطقة اليورو عن طريق شراء السندات.

كما أن البنك الاحتياطي الفيدرالي، الذي يشتري 80 مليار دولار تقريباً من سندات الخزانة شهريا، تحكم بشكل صريح في منحنى العائد خلال الحرب العالمية الثانية.

وفي العام الماضي، أشار مسئولو الاحتياطي الفيدرالي، إلى السياسة دون إيضاح أنه سيتم تنفيذها في أي وقت قريب.

ويقول “ماكولى”، إنَّ الفكرة في حد ذاتها تكفي أحياناً، فبمجرد أن تعترف البنوك المركزية بامتلاكها تلك القوة، ويوافق السوق على ذلك، فإن النبوءة تتحقق من تلقاء نفسها.

كان القلق بشأن مثل هذه السياسات هو أن السياسيين سيدفعون بلدانهم إلى الإفلاس أو التضخم المفرط دون أي نوع من الانضباط الخارجي.

وذات مرة، كان يُعتقد أن الأسواق المالية بإمكانها توفير ذلك، لكن في الآونة الأخيرة أصبحت المهمة مسندة إلى البنوك المركزية، التي كان من المفترض أن تكون معزولة عن بقية الحكومة حتى تتمكن من التركيز على القضاء على أي علامات تضخم.

لكن هناك أجزاء رئيسية من هذا التفكير قد انهارت، خاصة منذ الأزمة المالية العالمية، رغم أن العجز والديون الأكبر في الموازنة، وهو أحد الأشياء التي كان يفترض أن تدفع أسعار الفائدة للارتفاع، لم تفعل ذلك.

وأشارت “بلومبرج”، إلى أن “كوفيد- 19” أحضر نهجاً مختلفاً، فقد أصبح الإنفاق من قبل الحكومات هو مفتاح الانتعاش، ويبدو أن أطر تقييم المدى الذي يمكن أن تذهب إليه بأمان أصبح لا يُستخدم كثيراً.

قواعد جديدة

يعمل خبراء الاقتصاد على قواعد جديدة لعصر الأسعار المنخفضة.

وفي ورقة بحثية صدرت في نوفمبر، جادل جيسون فورمان ولاري سمرز، وهما خبيران اقتصاديان في هارفارد وكبار المسئولين السابقين في إدارة أوباما، بأن مدفوعات الفائدة التي يتعين على الحكومة دفعها كل عام هي معيار أفضل من إجمالي ديونها أو عجزها السنوى.

وهذه الفكرة لها وزنها في إدارة الرئيس الحالي جو بايدن؛ حيث تقول وزيرة الخزانة جانيت يلين إنها تتفق معها.

ويقول “فورمان”، إن القاعدة الأساسية التي دعت إليها الورقة البحثية، هي الحفاظ على تكاليف خدمة الدين الحقيقية عند نسبة تقل عن 2% من الناتج المحلي الإجمالى، وهي قابلة للتطبيق بغض النظر عمن هو على حق في النقاش حول ما يدفع لأسعار الفائدة، مشيراً إلى أنه لم يتبق كثير من الأمور التي يمكن تحقيقها من استخدام السياسة النقدية لفرض سقف على تكاليف الاقتراض الحكومية.

لمتابعة الاخبار اولا بأول اضغط للاشتراك فى النسخة الورقية او الالكترونية من جريدة البورصة

منطقة إعلانية

https://alborsanews.com/2021/03/24/1428557