710.8 ألف شخص أخذوا إجازة فى لندن بدون أجر بسبب الوباء بحلول فبراير.. أعلى بنسبة 2% عن المتوسط الوطنى
يحاول تشوكس إيبى تلبية الطلبيات المتراكمة فى متجر الخياطة بوسط لندن، ومثل الكثيرين، يفكر إيبى فى ما يخبئه المستقبل له ولعاصمة المملكة المتحدة بعد أن رفعت البلاد حالة الإغلاق الوطنى التى فرضت للسيطرة على وباء “كورونا”، فعلى المدى الطويل إذا أصبحت القاعدة تنطوى على العمل من المنزل، فقد يتضاءل الطلب على البدل.
وقد يكون الأمر مشابهاً بالنسبة للندن التى تخرج الآن من حياة معلقة لأكثر من عام وتبدأ فى فعل ما كانت تفعله غالباً على مدار تاريخها البالغ 2000 عام، وهو إعادة اختراع نفسها فى أوقات الاضطرابات.
وغالباً ما تعتقد مدن المملكة المتحدة أن لندن تتمتع بامتياز ومحمية من أسوأ الصدمات الاجتماعية والاقتصادية، لكنها كانت أكثر دماراً من أجزاء أخرى من البلاد بفعل بعض التدابير التى اتخذت للتصدى لتفشى الوباء.
ولقد شهدت العاصمة البريطانية إصابة ووفاة عدد أكبر من السكان بوباء كورونا، حيث سجلت نحو 15 ألف حالة وفاة، مقارنة بـ127 ألف حالة على الصعيد الوطنى.
وشهدت أيضاً فقدان المزيد من الوظائف، لترتفع نسبة الأشخاص الذين يطالبون بإعانات البطالة أو الائتمان الشامل إلى 5.2% إلى 8.2%، كما أن أعداد السكان الحاصلين على إجازة دون أجر- تقدر إجمالاً بـ710.8 ألف شخص بحلول فبراير- تعتبر أعلى بنسبة 2% من المتوسط الوطنى.
ويمكن للعديد من هؤلاء العمال الانضمام إلى صفوف العاطلين عن العمل عند إلغاء الحكومة فى النهاية لخطة حماية الوظائف فى وقت لاحق من هذا العام، وهى واحدة من هوامش الأمان العديدة التى أبقت الأمور فى طى النسيان، لكن بمجرد التخلى عنها فإنها قد تؤدى إلى أزمة، بحسب صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
ولقد أثار مدى الضرر تساؤلات جوهرية حول مستقبل لندن وما إذا كان بإمكانها استعادة مسارها الذى استمر 30 عاماً، فمنذ الانفجار المالى العظيم فى منتصف الثمانينيات، نمت لندن لتصبح واحدة من المدن التى تحتل مركز الصدارة فى العالم، ومركزاً عالمياً فى المجال المالى والقانونى والتكنولوجيا والثقافة والطهى، الذى ساهم بانتظام بنحو ربع الناتج الاقتصادى للمملكة المتحدة.
ووضع العديد من أصحاب الأعمال والسكان ثقتهم فى قدرة لندن على التعافى، لكنهم يتساءلون عما إذا كانت العودة إلى “العمل كالمعتاد” يجب أن تكون حتى الهدف، بالنظر إلى مدى التفاوت الصارخ الذى سبق تفشى الوباء فى الإسكان والصحة والفرص المتاحة.
وتشكل أيضاً الحقائق الجديدة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى تحديات هامة، فإذا كان الارتداد من الوباء صعباً بما يكفى، فإن القيود الجديدة الصارمة التى تحكم علاقات التجارة والهجرة بين بريطانيا وأوروبا قد تدفع إلى الانفتاح الذى يدعم ديناميكية لندن مع الحد من قدرة القطاع المالى على التعامل مع أوروبا.
وخلال الوباء، كان هناك أيضاً نزوح جماعى صامت للمهاجرين يقدر بـ8% من سكان العاصمة البالغ عددهم 10 ملايين نسمة، وكثير منهم أوروبيون يعملون فى الضيافة أو صناعات خدمية أخرى.
وجدير بالذكر أن مكتب الإحصاءات الوطنية يعارض هذا الرقم، لكن حتى لو سجل المهاجرين نصف هذا الرقم فقط- كما يقدر مكتب الإحصاء- فإن شركات عديدة تشعر بالقلق من نقص العمالة الذى يلوح فى الأفق.
وبهذا الصدد، يقول أندرو كارتر، الرئيس التنفيذى لمركز المدن: “السؤال هو كم عدد المهاجرين العائدين، وما إذا كان الاتجاه طويل المدى لانتقال الأشخاص إلى لندن من أجزاء أخرى من العالم مستمراً”.
وتجادل المؤلفة ورائدة الأعمال جوليا هوبسباوم بأن أنماط العمل الأكثر مرونة تخاطر بتقويض نموذج التكتل الذى دفع إعادة إنعاش وتحديث لندن لعقود وجعل النقل الجماعى قابلاً للتطبيق، حيث اعتمد هذا النموذج على انتقال أكثر من مليون شخص إلى العمل وإنفاقهم الأموال فى المناطق المركزية يومياً، وهو نمط سيتغير الآن على الأرجح.
وقالت هوبسباوم: “لندن لن تفقد بريقها ثقافياً ضد أى مدينة أخرى، لكن من الواضح أن قدرتها على توليد الدخل بالطريقة نفسها ستخضع للاختبار، وسيتعين عليها إعادة اكتشاف نفسها”.
عودة التفاؤل
ومع ذلك، فإن الوعد الذى قطعه التطبيق الناجح لبرنامج التطعيم وتخفيف الإغلاق قد اجتمعا لإعادة الأمل إلى شوارع العاصمة، حيث بدأ استئناف التجارة، وعادت المطاعم للتوظيف مرة أخرى، وتعافت بعض الأحياء من آثار الوباء.
ومع ذلك، لا يزال هناك مجالات كثير بحاجة للتعويض، فعلى سبيل المثال تشهد محطات مترو الأنفاق انخفاضاً فى إقبال الناس عليها، ففى ظل استمرار الحكومة فى تقديم النصائح للناس للعمل من المنزل، استعادت محطة مترو الأنفاق التى تخدم مدينة لندن ما يصل إلى 12% فقط من حركة نقل الركاب قبل الوباء بعد حالة السكون التى استمرت خلال شهور الإغلاق الشديدة.
الإيجارات والعمالة فى لندن
وبالنسبة للشركات والمقيمين على حد سواء، ثمة قضيتان تتعدى العوامل الخارجية، مثل الطلب العالمى وتطور متغيرات كوفيد-19 الحاسمة فى تحديد طبيعة أى تعافٍ.
وتتمثل القضية الأولى فى أسعار العقارات والإيجارات، أما الثانية فهى نظام الهجرة بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، والذى يخضع حالياً لنظام قائم على النقاط قُدم فى يناير ومصمم لصالح أصحاب المهارات العالية.
وقبل الوباء، كانت لندن مزدهرة، لكنها كانت مختلة وظيفياً أيضاً، فقد تضافرت أعواماً من التخفيضات فى الخدمات والمجالس المحلية باسم تقشف ما بعد الأزمة المالية العالمية، جنباً إلى جنب مع تخفيضات الرعاية الاجتماعية وتزايد الإيجارات وعدم كفاية المعروض من المساكن الاجتماعية لتقع أعداد متزايدة من الأسر فى محنة.
ولقد كشف الوباء عن التفاوتات العميقة التى كان يُعرف تواجدها من قبل وشهدتها المجتمعات البريطانية لفترة طويلة، حسبما قال جورجيا جولد، رئيسة التجمع متعدد الأحزاب المكون من 33 عضواً لسلطات لندن.