احتمالات قليلة هى الأسوأ بالنسبة للاقتصاد من الركود التضخمى، ويعد مزيج الركود وارتفاع الأسعار بشكل حاد ليس له ما يميزه إذ تتآكل قيم الأصول بسرعة؛ بسبب التضخم، كما هو الحال مع عائدات رأس المال، ولكن على عكس التضخم الذى قد يصاحب ارتفاع معدلات التوظيف، فإن الركود التضخمى يوفر وضعاً بائساً بالنسبة للعمال؛ نتيجة انخفاض الأجور وفقدان الوظائف.
لحسن الحظ، من الواضح أن الاقتصاد العالمى لم يشهد بعد هذه النتيجة غير السعيدة، وبينما ارتفع التضخم مع إعادة فتح الاقتصادات، ارتفع النمو كذلك، ومن المتوقع حدوث تباطؤ طفيف فى وتيرة التوسع مع عودة الاقتصادات إلى طبيعتها بعد الوباء، سيكون من الأكثر دقة وصف التجربة الحديثة على أنها تعافٍِ فقط.
فى الواقع، على مدى العامين الماضيين، تحولت أحاديث السوق من توقعات استمرار «انخفاض التضخم» قبل الوباء إلى الانكماش خلال عمليات الإغلاق ثم النمو الانتعاشى الناجم عن التحفيز واللقاحات، وقد يكون الحديث الأحدث عن التضخم المصحوب بالركود، بالمثل، استنتاج من الاتجاهات المؤقتة التى قد تتغير قريباً.
ومع ذلك، فإنَّ التقاء اضطرابات سلسلة التوريد وارتفاع أسعار البترول ونقص العمالة يعنى أن المخاطر تستحق أخذها على محمل الجد، ويمكن تضمين ضغوط الأسعار المؤقتة فى المزيد من التوقعات طويلة الأجل وقد تستمر الأسعار المرتفعة حتى مع تلاشى الدفعة التى حصل عليها النمو من إعادة فتح الاقتصادات. فى الوقت الحالى، كل ما يمكن للبنوك المركزية فعله هو توخى الحذر من المخاطر والاستمرار فى خططها للتخلص التدريجى من برامج التحفيز، ويجب أن تفكر الحكومات بشكل خلاق فى إصلاحات جانب العرض لتخفيف العقبات، ويرتبط التضخم المصحوب بالركود التضخمى بشكل لا يمكن محوه بالسبعينيات، عندما بدأت معدلات النمو المرتفعة فى فترة ما بعد الحرب فى التلاشى وارتفع التضخم، لا سيما بعد «صدمة البترول» التى أعقبت حرب أكتوبر عام 1973.ومع ذلك، فإنَّ العالم مكان مختلف تماماً اليوم.
كبداية، سوق العمل المنظم أصبح أضعف، ومن غير المرجح أن يتكرر هذا النوع من دوامة أسعار الأجور التى حدثت عندما حاول العمال أو ممثلوهم مواكبة الأسعار المتسارعة، كما أن المسئولين فى البنوك المركزية هم أيضاً أقل تسامحاً مع التضخم ولديهم مجال كبير لتشديد السياسة، ليس فقط من خلال رفع أسعار الفائدة ولكن أيضاً من خلال سحب التيسير الكمى.
ومع ذلك، فإن التشديد السابق لأوانه قد يدفع البنوك المركزية إلى إحداث الركود الذى يخشونه أى قمع النمو فى الوقت الذى يتعافى فيه الاقتصاد.
الأسبوع الماضى، قال جاى باول، رئيس الاحتياطى الفيدرالى، إنه فى حين أن عقبات ومشاكل سلسلة التوريد كانت تزداد سوءاً بشكل هامشى، فإن «السجل التاريخى ملىء بأمثلة على [البنوك المركزية] التى تقاعست عن حل تلك المشكلات» والتقليل من الحاجة إلى استمرار التحفيز النقدى.
قد تكون الفترة التى تلت الحرب العالمية الثانية أفضل مقارنة تاريخية للوضع الحالى من السبعينيات.
ففد ارتفع وقتها التضخم فى الولايات المتحدة وبريطانيا بداية العقد، ولكنه انخفض بسرعة أيضاً، وأشارت شركة «كابيتال إيكونوميكس» الاستشارية فى مذكرة بحثية، إلى أن حاجة ملايين الجنود المسرحين فى بريطانيا للعثور بسرعة على وظائف جديدة دفعة واحدة أدت إلى نقص العمالة وسط ارتفاع معدلات البطالة.. وأنتجت نهاية الوباء آلية مماثلة.
وفى غضون ذلك، بعد أن أوضح الاحتياطى الفيدرالى فى عام 1951 أنه لن يواصل برنامج شراء سندات الحرب العالمية الثانية خلال الحرب الكورية، تم احتواء نمو الأسعار فى الولايات المتحدة بعد أن ارتفع بشكل مبدئى فى بداية العقد.
فى كلتا الحالتين، يحتاج محافظو البنوك المركزية الآن إلى السير على حبل مشدود ومراقبة البيانات الاقتصادية والتقارير النوعية عن سلاسل التوريد واستطلاعات توقعات التضخم فى وقت واحد، ولا تكرر الظروف التاريخية نفسها تماماً أبداً لكن التاريخ يوفر، فى أفضل الأحوال، دليلاً غير كامل لمسار الاقتصاد على مدى السنوات المقبلة، ومع ذلك، فإنه يقدم مثالاً على التكاليف الباهظة لاتخاذ خطوة خاطئة.
افتتاحية «فاينانشيال تايمز»