تزداد صعوبة تحمل تكلفة الأساسيات في البرازيل ، وهو ما يعكس الضيق الذي أضر بالعديد من الأشخاص في أكثر دول أمريكا اللاتينية سكاناً، بعد أن أدى ارتفاع تكاليف كل شيء، من البنزين إلى اللحوم، إلى دفع معدل التضخم إلى رقم مزدوج للمرة الألى منذ أكثر من خمسة أعوام.
في مواجهة الاستياء من مستويات المعيشة، أصر الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، الذي يستعد لحملة إعادة انتخابه العام المقبل، على أن التضخم مشكلة منتشرة في جميع أنحاء العالم.
وساهم ارتفاع أسعار السلع الأساسية ومنها البترول الخام والمواد الغذائية، فضلاً عن اختناقات سلسلة الإمداد في أعقاب اضطرابات فيروس كورونا، في الظاهرة العالمية، حسبما ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
قال كبير الاقتصاديين في شركة الوساطة الاستثمارية “إكس.بي”، كايو ميجيل، إن هناك جزءاً آخر من السبب محلي، حيث انخفض سعر الصرف في البلاد بشكل أكثر من عملات كثيرة أخرى، ما تسبب في ارتفاع التضخم.
منذ بداية 2020، فقد الريال البرازيلي ربع قيمته مقابل الدولار الأمريكي، وهو منخفض 5% حتى الآن هذا العام.
ارتفعت أسعار المستهلكين في البرازيل في أكتوبر، ما دفع التضخم إلى 10.67% سنوياً، وهو أكثر مما كان متوقعاً وأكبر زيادة في مثل هذا الشهر منذ 2002.
ومن بين دول مجموعة العشرين، تحتل البرازيل مرتبة أقل من تركيا التي يبلغ التضخم فيها 20% والأرجنتين المتضررة بشكل مزمن والتي يبلغ التضخم فيها 52%، بحسب بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
على مدى الـ 12 شهراً الماضية، شهد المتسوقون البرازيليون ارتفاعاً حاداً في المنتجات من السكر المكرر (ارتفاع بنسبة 48%) وغاز الطهي (38%) إلى تذاكر الطيران (50%).
في الوقت نفسه، ضرب أسوأ جفاف منذ نحو قرن توليد الطاقة الكهرومائية وأجبر المرافق على تشغيل محطات حرارية أكثر تكلفة، ما أدى إلى قفزات في فواتير الطاقة.
يذكر أن الأشخاص ذوي الدخل المنخفض يشعرون بالتأثيرات أكثر، ويقول الباحثون إنه كان هناك ارتفاعاً في مستوى الجوع منذ بداية الوباء.
كذلك، لاحظ المقيمون الأكثر ثراءً في أماكن مثل ساو باولو أيضاً تأثيرات غير مباشرة، منها فترات انتظار أطول لخدمات شركة الركوب التشاركي “أوبر”.
وبينما عادت حركة المرور إلى أكبر مدينة في البلاد مع رفع قيود كوفيد-19، يقول سائقون إن ارتفاع أسعار مضخات الوقود جعل بعض الرحلات أقل جاذبية، رغم الزيادة الأخيرة في صافي الأجرة عبر المنصة.
مع تخلف بولسونارو في استطلاعات الرأي مقابل الرئيس اليساري الأسبق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي يتوقع أن يتحداه على الرئاسة في انتخابات أكتوبر 2022، تعتزم الحكومة تعزيز خطة للتحويلات النقدية للمواطنين الأكثر فقراً، لكن بعض المراقبين يخشون أن تؤدي هذه الخطط إلى تفاقم التضخم، حتى مع رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة ارتفاع الأسعار الذي يعرقل النمو.
ولدفع تكاليف برنامج الرفاهية الموسع، تريد الإدارة البرازيلية تغيير سقف الإنفاق الدستوري الذي يحد من الزيادات في الميزانية ويعتبره المستثمرون أحد أعمدة المصداقية الاقتصادية للبرازيل.
وينظر النقاد إلى المناورة باعتبارها علامة مقلقة على احتمال التخلي عن الاستقامة المالية، كما أنهم يجادلون بأنها تهدد بحدوث دوامة سلبية، ما يزيد من الضغط على العملة، الذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع قيمة الواردات والسلع المسعرة بالدولار.
قال الرئيس السابق للبنك المركزي، أرمينيو فراجا، إن الأموال الإضافية المحررة وحدها قد لا تشكل نهاية العالم، لكن الحزمة قد تنشر تصور بين المستثمرين يفيد بأن البوابات قد فُتحت على مصاريعها وأن الحكومة قد تتخلف عن الوفاء بالتزام قانوني.
أضاف: “إنها تسمح للسيناريوهات السيئة بالتسلل إلى الصورة. أعتقد أن نوع التضخم الذي شهدناه في الثمانينيات، وحتى السبعينيات، سيكون مفاجأة. لكن هل يمكننا استبعاده تماماً؟ مع الأسف لا”.
حالياً، لا تزال البلاد بعيدة جداً عن التضخم المفرط الذي كُبح في منتصف التسعينيات من خلال خطة استقرار الاقتصاد الكلي التي أدخلت عملة جديدة، لكن الحديث بين بعض الاقتصاديين يدور الآن عن إمكانية “الهيمنة المالية”، وهو ما يشير إلى الوقت الذي تصبح فيه السياسة النقدية أقل فاعلية ضد التضخم، أو حتى تؤدي إلى نتائج عكسية، حيث تؤدي تكاليف الاقتراض المرتفعة إلى رفع عبء خدمة الديون الحكومية وتضخيم الشكوك حول المالية العامة.