غزو أوكرانيا يجدد التكهنات المتعلقة بمستقبل الطاقة الأوروبية
تأمين الشحنات صعب ومكلف على المدى القصير
واردات الصين نمت 82% بين عامي 2017 ـ 2020
كان الغزو الروسي على أوكرانيا سبباً في تجدد التكهنات المتعلقة بمستقبل الطاقة الأوروبية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بإمداداتها من الغاز الطبيعي.
يسهم الغاز في توليد ما يقرب من ربع الطاقة التي تستخدمها القارة العجوز، وقد وفرت روسيا أكثر من 40% من هذا الغاز عام 2019.
لم يذهب الغرب إلى حد وضع قيود على صادرات الغاز الروسية، رغم أن ألمانيا علقت ترخيص خط “نورد ستريم 2″، وهو خط أنابيب مكتمل لكن لم يتم تشغيله بعد بين روسيا وألمانيا.
لكن ماذا لو قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قطع إمدادات الغاز عن الغرب؟
مما لا شك فيه أن الغاز الطبيعي المسال، الذي يُنقل عادةً عن طريق البحر، يعد أحد المصادر البديلة للطاقة، لكن إلى أي مدى يمكن أن يحل الغاز الطبيعي المسال محل الغاز الروسي الذي ينتقل عبر الأنابيب كمصدر للطاقة في أوروبا؟
تستخدم أوروبا بالفعل الكثير من الغاز الطبيعي المسال، فهو يشكل حوالي ربع واردات المنطقة من الغاز الطبيعي، حسبما ذكرت مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية.
أحد الأسئلة هو إلى أي مدى يمكن لأوروبا معالجة الغاز الطبيعي المسال، الذي يتم تحويله أولاً إلى سائل حتى يُنقل، ومن ثم يتعين إعادة تحويل الغاز في المحطات التي تقع عادة بالقرب من الساحل، وذلك قبل أن يتاح استخدامه لتدفئة المنازل وتزويدها بالطاقة.
تشير الاستثمارات الضخمة في مصانع إعادة التحويل لغاز، إلى أن أوروبا لديها الكثير من القدرات الخاملة، إذ عملت محطات الاستيراد في المنطقة بنسبة 45% من طاقتها خلال العام الماضي- بحسب شركة “إنرجي إنتليجنس”- وذلك رغم عدم تواجد كل هذه المحطات في المكان المناسب.
أما ألمانيا فليست لديها محطات نهائية، في حين أن إسبانيا تتمتع بربع قدرات القارة، رغم أن البنية التحتية للغاز فيها معزولة إلى حد كبير عن باقي أوروبا.
وأوضحت “ذي إيكونوميست” أن المشكلة الأكثر إلحاحاً هي الإمدادات المتاحة للغاز الطبيعي المسال، إذ تعتبر كل من الولايات المتحدة وأستراليا وقطر أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال.
وهذة الدول لديها الكثير من الغاز، وهي جميعاً تصدر بالفعل بكامل طاقتها أو بالقرب منها.
ويستغرق توسيع نطاق القدرة على التسييل والتصدير وقتاً طويلاً، لذلك فإن أفضل أمل في أوروبا على المدى القصير هو الحصول على شحنات الغاز الطبيعي المسال الموجودة والموجهة أصلاً إلى مكان آخر، لكن آسيا لديها أيضاً شهية قوية تجاه الغاز الطبيعي المسال.
نمت واردات الصين من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 82% بين عامي 2017 و 2020، فضلاً عن أنها تفوقت على اليابان خلال العام الماضي لتصبح أكبر مستورد في العالم.
يذكر أن حوالي 70% من الغاز الطبيعي المسال يُتداول على مستوى العالم بموجب عقود تستمر لمدة 10 أعوام أو أكثر.
تميل أوروبا إلى الاعتماد على الأسواق الفورية والعقود الأقصر، ففي الماضي سمح ذلك لأوروبا بالاستفادة من الأسعار المنخفضة عندما كانت المخزونات وفيرة. والدول لم تلزم نفسها باستخدام الوقود الأحفوري على مدى عقود مستقبلية، لكن هذا الأمر يترك أوروبا أيضاً تحت رحمة السوق.
عندما تضاءلت احتياطيات الغاز في أوروبا خلال فصلي الخريف والشتاء، ويرجع ذلك جزئياً إلى انخفاض الإمدادات الروسية، ارتفعت واردات الغاز الطبيعي المسال، وكذلك الأسعار.
في الماضي، كانت الأسعار الفورية في آسيا عادةً أعلى منها في أوروبا، لكن في الأشهر الأخيرة كان السعر في أوروبا يضاهي المستويات الآسيوية في بعض الأحيان.
وزاد الغزو الروسي لأوكرانيا الأمور سوءاً، إذ ارتفع سعر الغاز الطبيعي المسال الذي تم تسليمه إلى شمال غرب أوروبا بنسبة 29% في يوم واحد، بعد أن أعلن بوتين “عمليته العسكرية الخاصة” في الرابع والعشرين من فبراير.
يحاول الساسة تأمين إمدادات جديدة من الغاز الطبيعي المسال لأوروبا، وبالتالي وعد الرئيس الأمريكي جو بايدن بمساعدة أوروبا في العثور على المصادر لأن بلاده لن تكون قادرة على تقديم المزيد.
حتى الآن، لم تسفر محاولاته عن الكثير. فقد قال وزير الطاقة القطري في الثاني والعشرين من فبراير إنه “يكاد يكون من المستحيل” توفير ما يكفي من الغاز الطبيعي المسال بسرعة لتحل محل أنابيب الغاز القادمة من روسيا.
من المؤكد أن الغاز الطبيعي المسال ليس الشئ الوحيد الذي يتعين على أوروبا اللجوء إليه لسد النقص في الإمدادات الروسية، لكنه هام ويصعب التخلي عنه.