لا الحرب الصريحة ولا الوباء قادران على إغراق الاقتصاد الهندى بقدر أسعار البترول المرتفعة، فقد شكلت المنتجات البترولية أكثر من ربع الإنفاق الإجمالى للبلاد على الواردات العام الماضى، أى أكثر من أى اقتصاد كبير آخر، لكن هل يمكن أن يخفض الخام الروسى الرخيص هذه الفاتورة؟
رفضت الهند إدانة روسيا بعد غزوها أوكرانيا، حتى مع فرض الغرب عقوبات عليها، لكن البنوك الروسية الكبرى انقطعت عن نظام «سويفت» المستخدم فى المعاملات عبر الحدود، ومنعت الإجراءات الأمريكية إلى حد كبير استخدام الدولارات، ما أدى إلى تعقيد التجارة.
وكان من المفترض أن يزور وزير الخارجية الروسى، سيرجى لافروف، دلهى فى 31 مارس، وكان إيجاد طرق للالتفاف حول العقوبات لتمكين مبيعات البترول الروسية إلى الهند واحداً من البنود التى يتوقع تواجدها ضمن جدول الأعمال.
وتعمل شركات البترول والغاز فى البلدين بالفعل معاً، فعلى سبيل المثال، تشارك «أو إن جى سى فيديش»، وهى ذراع التنقيب عن البترول والغاز وإنتاجهما فى الخارج للحكومة الهندية، فى ثلاثة مشاريع فى روسيا، بينما تمتلك شركة «روسنفت»، عملاق روسى حكومى، %49 من «نايارا إنرجى»، وهى شركة مقرها مومباى بها 6 آلاف محطة تعبئة ومصفاة كبيرة فى ولاية غوجارات.
ومع ذلك، فإنَّ تجارة البترول الإجمالية بين البلدين محدودة؛ حيث تشير بيانات حكومة الهند إلى أن أقل من %1 من وارداتها البترولية، خلال العام الماضى، جاءت من روسيا.
وفى واقع الأمر، تعد التجارة مجرد قطعة صغيرة تشكل انعكاساً للجغرافيا وليس السياسة، حسبما ذكرت مجلة «ذا إيكونوميست» البريطانية.
ولقد اشترت الهند البترول من إيران، وهى دولة أخرى واجهت العقوبات الأمريكية، حتى عام 2019، لكن ما يفصل البلدين عن بعضهما هو مسطح مائى فقط، لكن على النقيض من ذلك، ليس هناك طرق برية مباشرة ولا معابر مائية قصيرة من روسيا إلى الهند.
وفى الأسابيع الأخيرة، نشرت سلسلة من التقارير فى وسائل الإعلام الهندية بالتفصيل اتفاقيات شراء جديدة للخام الروسى من قبل شركات البترول الحكومية الهندية.
ويقال إن شركة «هندوستان بتروليوم» اشترت 2 مليون برميل، واشترت «إنديان أويل» 3 ملايين برميل، وسعت «مانجالور للتكرير والبتروكيماويات» لشراء مليون برميل، بينما قدم آخرون عطاءات لشراء البترول الروسى أيضاً.
وإجمالاً، فإن الكمية ربما تصل إلى 15 مليون برميل، أى حوالى ثلاثة أيام من استهلاك الهند، لكن هذا يُنظر إليه على أنه أول علامة على مشاركة أوثق بين البلدين؛ حيث يقال إنَّ روسيا عرضت دفع تكاليف النقل والتأمين، مع تقديم خصومات كبيرة.
ومع ذلك، فإنَّ الصعوبة الرئيسية تكمن فى المدفوعات، فحتى تتمكن من التعامل مع إيران بعد خضوعها للعقوبات فى عام 2011، استخدمت الهند بنك «يوكو»، وهى شركة تديرها الدولة ولها عمليات خارجية امتدت فقط إلى سنغافورة وهونج كونج وطهران، وبالتالى كانت خارج الشبكة التنظيمية للغرب.
لكن هذه المرة، اتخذت سنغافورة إجراءات صارمة ضد المعاملات الروسية، ما يعنى أنه لا يمكن استخدام بنك «يوكو»، ومن هذا المنطلق، تفكر حكومة الهند والبنك المركزى فى البلاد فى خيارات أخرى، إذ تتمثل أحد الأفكار التى يُقال إنه يجرى النظر فيها هى استخدام نظام تحويل الرسائل المالية «سبفس»، وهو البديل الروسى، لإجراء المعاملات العابرة للحدود.
وثمة اقتراح آخر يتضمن استخدام العمليات الهندية للعديد من البنوك الروسية الكبيرة كقناة للمعاملات، من خلال فتح حسابات بالروبية للمصدرين الروس.
ومع ذلك، تكمن المشكلة فى أن التجارة بين البلدين غير متوازنة؛ حيث تستورد الهند أكثر من ضعف ما تصدره من روسيا، ما يترك البائعين الروس يحتفظون بالروبية غير المرغوب فيها.