
وأنا أبحث عن الأسباب والعوامل التى أدت للأزمة الاقتصادية والتى من أسبابها جزء مستورد وهو تأثير الحرب الروسية الأوكرانية، ولكن هناك مكون محلى للأزمة نتيجه السياسات التى اتبعت وعدم ترتيب الأولويات فيما تم إنفاقه فى السنوات الثمانى الماضية.. واكتشفت أن غياب السياسة فى بلدنا كان أيضا من أسباب الأزمة فالأحزاب موجودة ولكن ليس لها دور والمجتمع المدنى دوره محدود والمحليات وتحديدا المجالس المحلية لا وجود لها منذ ثورة 25 يناير 2011.
والمقصود بالمكون السياسى هو أن كل الكيانات من أحزاب وجمعيات ومجالس محلية تناقش القضايا العامة وتقترح حلول.. المواطن من خلال هذه الكيانات يسأل فيجد من يجيبه.. يناقش مسئولا وخبيرا من خلال المنتديات التى تبحث القضايا العامة.. المجالس المحلية تراقب وتتابع النشاط التنفيذى فى القرى والأحياء ويلجأ إليها المواطن فى كثير من مشاكله.. وهذه المجالس المحلية كانت تحل كثيرا من المشاكل التى تؤرق المواطنين فلا يتأزم الوضع ويتجمهر الناس لأنهم لم يجدوا من يتحدث معهم.. كل هذه الكيانات التى لها علاقة بالسياسة تستطيع أن تمتص غضب الناس عندما يشعر المواطن أن له دور فى مناقشة الخطط والسياسات التى لها علاقة بشئون حياته… وعندما يجد مسئولا يناقشه أو يسمع لمشاكله.. كل ذلك يحدث فى أنظمة الحكم الديمقراطية وشبه الديمقراطية.. هناك أحزاب تناقش سياسات الحكومة وتعارضها وتقترح سياسات بديلة.
ولنا فى الواقع الحالى مثال هام، وثيقة سياسة ملكية الدولة التى طرحتها الحكومة مؤخرا هل سمعت أن حزبا ما من الأحزاب الموجودة طرح رؤيته لهذه الوثيقة.. حتى عندما ناقشتها الحكومة فإنها تناقشها مع أصحاب المصلحة فى مجتمع الأعمال دون النظر لباقى قطاعات المجتمع الذى هو مالك لأصول الدولة.. بل هل خرج حزب ما يطرح رؤية اقتصادية بديلة للجوء إلى صندوق النقد.
فى الماضى القريب وتحديدا قبل ثورة يناير كان لدينا أحزاب وعلى رأسها الحزب الحاكم وهو الحزب الوطنى وقبل حل هذا الحزب بسنوات قليلة كان هذا الحزب يطرح السياسات والخطط فى مؤتمرات متعددة، ثم أنشأ لجنة السياسات التى كان يرأسها جمال مبارك وهذه اللجنة كانت بمثابة المطبخ الذى يعد كل السياسات والخطط التى ستنفذها الحكومة فكانت تناقش داخل هذه اللجنة التى كانت تضم وزراء ومسئولين وخبراء من داخل الحزب وخارجه.. فى المقابل كان حزب الوفد بلجانه وقياداته يطرحون رؤيتهم وكذلك حزب التجمع اليسارى كان له رؤى اقتصادية هامة بما يتوافر لديه من خبراء اقتصاديين متميزين.
المقصود من أهمية المكون السياسى فى نظم الحكم أن لا يتحمل الحاكم وحده مسئولية القرار ونتائجه بل معه شركاء أحزاب أو مجتمع مدنى، الكل يشارك فى صياغة سياسات معينة أو خطط زمنية اتفق عليها الجميع.. السياسة تصنع حوار مستمر ونقاش مسئول للصالح العام وها نحن فى أزمة صعبة، الحكومة وإعلامها قالوا لنا إن هناك أزمة والأيام القادمة ستكون صعبة ولكن لم تطرح حلول لهذه الأزمة وكيفية الخروج منها.
لماذا لا تطلب الدولة من الأحزاب رؤيتها للخروج من الأزمة ولماذا لا نمارس سياسة “بجد”.. بأن يكون هناك حزب حاكم وهو الذى فاز بأغلبية مقاعد البرلمان ليقوم بتشكيل حكومة تنفذ رؤية هذا الحزب.. وليس حزب الرئيس وحتى لو قبلنا وجود حزب يرأسه رئيس الجمهورية المهم أن تكون لدينا سياسة تمارسها كل الأحزاب والمجتمع المدنى طالما كان النقاش على مستوى المسئولية ولخدمة الوطن.
الغاية من ذلك أن يكون هناك مطبخ للحكومة من خبراء وقيادات لديها وعى سياسى بما يتم إعداده من سياسات وخطط، نريد أن يكون لدينا وزراء سياسيون وقيادات جاهزة لتولى المسئولية عاشت فى مطبخ السياسات بالأحزاب والمجتمع المدنى على دراية بكافة القضايا ولديها رؤى وطروحات لحلول الأزمات.. وإلا فسنظل نلجأ لصندوق النقد إلى الأبد.