
فى عالم تكتنفه أزمات متعددة، قد يتطلع المسؤولون إلى ما وراء التهديد الأكبر على الإطلاق ألا وهو الصين، وتركز الحديث بين محافظى البنوك المركزية فى مؤتمر الاحتياطى الفيدرالى فى “جاكسون هول” على التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، ولم يكن هناك أى ذكر أنه قبل 10 أيام فقط، فعل بنك الشعب الصينى العكس تمامًا، حيث خفض بشكل غير متوقع سعر الفائدة الرئيسى.
وتعانى الصين من 3 مشاكل مقلقة: الديون والأمراض والجفاف، والتى تكمن وراء تباطؤًا لا يدق أجراس الإنذار الكافية بين المستثمرين وصناع السياسات، ولاتزال الصين مندمجة بشكل كبير فى سلسلة التوريد العالمية وهى محرك محتمل للطلب العالمى كواحدة من أكبر الأسواق للسلع والخدمات الأجنبية.
لكن الأخبار الاقتصادية من الصين انتقلت من سئ إلى أسوأ، وانكمش التصنيع فى يوليو، وتباطأت مبيعات التجزئة والإنتاج الصناعى والاستثمار، ووصلت بطالة الشباب إلى ما يقرب من 20%، وكان هناك تدفقات قياسية خارجة من الأسهم والسندات، وتشعر أكثر من 20% من الشركات متعددة الجنسيات الأمريكية بالتشاؤم حول توقعات الأعمال لمدة خمس سنوات، أى أكثر من ضعف النسبة فى العام الماضى، وفق استطلاع أجراه مجلس الأعمال الأمريكى الصينى، وتم تخفيض متوسط توقعات الناتج المحلى الإجمالى لعام 2022 مؤخرًا إلى 3.5%، فى بلد كان ينمو بنسبة 6% قبل عامين.
والتشاؤم له ما يبرره، فأول مشكلة تضرب الصين – الديون – ليست ظاهرة جديدة، لكن هذه المرة تتركز فى قطاع العقارات، الذى يساهم بحوالى 20-30% من الناتج المحلى الإجمالى ويمثل 70% من ثروة الأسرة، و60% من إيرادات الحكومة المحلية و40% من الإقراض المصرفى، حسب حسابات شركة “تى إس لومبارد”، وانخفضت أسعار المنازل لمدة 11 شهرًا متتاليًا، وقاطع مشترو المنازل مدفوعات الرهن العقارى للعقارات غير المبنية، وتعثرت أكثر من 30 شركة عقارية فى سداد ديون دولية.
وكانت استجابة السياسة تتمثل فى خفض أسعار الفائدة والحافز المالى الذى يركز على تسهيل السيولة لمطورى العقارات وتعزيز التمويل للبنية التحتية، وهذا لن يفى بالغرض، وتوسع المعروض النقدى لكن الائتمان تباطأ بشكل حاد فى يوليو، ما يشير إلى أن الصين عالقة فى فخ السيولة، ويتم الضغط على البنوك للإقراض بينما انخفض الطلب على القروض، ومن غير المرجح أن تعوض الإجراءات المالية لدعم الإنفاق على البنية التحتية تراجع العقارات.
الميزانية العمومية للحكومة المركزية نظيفة نسبيًا إذ تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى حوالى 20%، ويمكن أن تصر الحكومة على قيام المؤسسات المدعومة من الدولة بإقراض مطورى العقارات ثم إنقاذهم، ما يقلل من مخاطر التخلف عن السداد المتتالى، لكن هذا يؤجل الحساب فقط ويخلق نوعًا من الخطر الأخلاقى الذى يريد الرئيس شى جين بينغ تجنبه.
لذلك يجب على الصين أن تدفع النمو من خلال الاستهلاك، وليس من خلال العقارات أو الاستثمار، وسيستغرق ذلك وقتًا وسيتطلب تقليل المدخرات الوطنية من خلال إنشاء شبكة أمان اجتماعى مع دعم للرعاية الصحية والإسكان والتعليم والنقل.
وفى الوقت نفسه، يتشابك عائق النمو فى قطاع العقارات مع المشكلتين الأخرتين: المرض والجفاف، وتواصل الصين اتباع سياسة “صفر كوفيد” حتى مع توسع تفشى الفيروس فى جميع مقاطعات البر الرئيسى البالغ عددها 31، ويشير “مورجان ستانلى” أن أكثر من 13% من الناتج المحلى الإجمالى يخضع حاليًا لشكل من أشكال الإغلاق، مع تأثر شنزن وتشنغدو من أحدث موجة، وأدى ذلك إلى إضعاف ثقة المستهلك والأعمال، والإنفاق والاقتراض، والتى لن يتم تعويضها بانخفاض طفيف فى أسعار الفائدة.
ولا يمكن استكمال أو تعزيز الإنفاق على التطوير العقارى والبنية التحتية عند إغلاق المدن، ويعنى نقص مناعة القطيع بسبب اللقاحات الصينية الأقل فعالية ومعدلات التحصين المنخفضة نسبيًا بين كبار السن انتقالا أكثر صعوبة للعيش مع كوفيد.
وعلاوة على كل شئ، أدى الجفاف إلى وصول نهر اليانجتسى إلى أدنى مستوى له منذ بدء تسجيل البيانات فى عام 1865، ويتطلب ما يقرب من 90% من إمدادات الكهرباء فى الصين موارد مائية واسعة النطاق، كما يتسبب انقطاع التيار الكهربائى فى إغلاق مؤقت للمصانع، ما يزيد من تعطيل سلاسل التوريد المحلية والعالمية، ونظراً لأن 6 من المناطق التى ضربها الجفاف شكلت ما يقرب من نصف إنتاج الصين من الأرز العام الماضى، فإن التأثير على الإمدادات الغذائية سيكون كبيراً.
ويعتمد التحفيز حتى الآن على التوسع فى الائتمان، ما يؤخر الإصلاح الحتمى ويجعله فى النهاية أكثر إيلاماً، ومن المرجح أن تعود حالات الإصابة بفيروس كورونا للارتفاع الشتاء الجارى، وقد تستمر موجات الجفاف فى التكرر عبر الاقتصاد حيث تصبح الأحداث المناخية أكثر شيوعًا، وتشير كل هذه العوامل إلى الاحتمال المقلق لحدوث مشكلة رابعة وهى أن تدفعنا الصين جميعًا إلى انكماش عالمى جديد.
بقلم: ميجان جرين، كاتبة مقالات رأي في الاقتصاد بصحيفة “فاينانشيال تايمز”
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز”