
الصناعة المصرية هذه الأيام فى حالة يرثى لها بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد، والتى انعكست أثارها على الصناعة نتيجة سياسات اقتصادية تسببت فى تردى أوضاع الصناعة وتوقف الكثير من المصانع عن الإنتاج لعدم توافر الخامات ومكونات الإنتاج.
وكان من المفترض أن تزين المصانع وتزخرف قلاع الإنتاج احتفالًا بمرور مائة عام على إنشاء اتحاد الصناعات المصرية 1912 – 2022 بيت الصناعة، ولكن كيف تقام الاحتفالات بهذه المئوية لبيت الصناعة وأهل البيت فى حالة حزن بسبب ما وصل إليه الحال فى مصانعهم.. فكان من الطبيعى ألا يتم الاحتفال بمئوية اتحاد الصناعات.. ولعل تذكر مئوية اتحاد الصناعات تأخذنا إلى دور اتحاد الصناعات ولماذا تم تأسيسه؟
بالتأكيد أن الهدف من تأسيسه هو النهوض بالصناعة المصرية ومراعاة مصلحة أصحاب المصانع.. وهو ما سعى إليه مؤسسو اتحاد الصناعات حتى وإن كان غالبيتهم من الأجانب الذين كانوا يعملون فى مصر وقتذاك.. وبالفعل ظل الاتحاد هو بيت الصناعة يقدم أفكارا ومقترحات ويناقش قضايا الصناعة مع الحكومات.. وكان منظمة الأعمال الوحيدة فى مصر وقتذاك التى لديها بيانات ومعلومات عن الصناعة بإصداراتها الدورية لمجلة مصر الصناعية والكتاب السنوى للاتحاد.. والذى كان يعد مرجعا عن حالة النشاط الصناعى خلال عام مضى.
وحال اتحاد الصناعات الآن ليس بعيدًا عن حال الصناعة كلاهما فى الهم سواء.. لا بيانات ولا معلومات ولا خدمات لأعضاء الاتحاد بل لا يسمع أحد كثيرًا صوتا لاتحاد الصناعات فى كثير من القضايا الاقتصادية المثارة والتى كان لها تأثير قوى على الصناعة مثل قضايا تعويم الجنيه وغيرها من السياسات المالية والنقدية لم نر مؤتمرًا أو ورقة عمل للاتحاد يقال فيها رؤية ويحذر الحكومة من تبعات السياسات التى تصدرها على حركة الإنتاج.
المصانع والمستثمرون يشكون للرقابة الإدارية من صعوبة حصولهم على التراخيص والأراضى الصناعية.. أما اتحاد الصناعات فلا صوت له فى مثل هذه المشاكل.. ولذلك ليس مستغربًا ألا تجد اتحاد الصناعات حاضرًا فى المشاكل التى تعانى منها المصانع الآن بسبب صعوبة استيراد الخامات ومستلزمات الإنتاج وهو أمر كان يجب استيعابه منذ تعويم 2016 فى كيفية إيجاد حلول لتوفير الخامات بدلًا من الوقوع فى نفس الأزمة هذه الأيام أيضًا.. حتى قانون تفضيل المنتج الأجنبى لم يستطع الاتحاد الضغط لتفعيله حتى مع صعوبات الاستيراد فى الوقت الحالى.
إن اتحاد الصناعات منظمة قوية يجب أن يكون لها صوت مسموع فى المجتمع لأنها تعبر عن الآلاف من المنشآت الصناعية والتى يعمل بها ملايين العمال.. ماذا تفعل المنشآت الصغيرة التى تغلق أبوابها هذه الأيام وماذا استفادت من اتحاد الصناعات الذى تدفع له اشتراكًا سنويًا إجباريًا.
اتحاد الصناعات يجب أن يكون لديه معلومات وبيانات عن حال كل صناعة بحيث يحذر وينذر من تعرض هذه الصناعة لمشاكل حالية أو مستقبلية وما يجب اتخاذه من خطوات لمواجهة هذه المشاكل لا أن يترك أعضاءه فريسة لهذه الأزمات.. ولكن أين المعلومات والبيانات عن الصناعة لا توجد إلا إذا طلبتها الحكومة من الاتحاد.. ولكن لا يوجد لديه تصور أو دراسة حالة عن الصناعة بكافة قطاعاتها واحتياجاتها وتحديد الصناعات التى يمكن أن يكون لنا فيها مزايا تنافسية فى الأسواق العالمية وكيفية زيادة المكون المحلى فى المنتجات لتقليل الاعتماد على الاستيراد.. وهل خرج أو طرح الاتحاد رؤية عن تطوير الصناعة وكان من الأجدر أن يطرح الاتحاد وثيقة إدارة أصول الدولة وليس الحكومة باعتباره يمثل القطاع الخاص ويمكنه الاستعانة ببيوت خبرة محلية وعالمية.
وأتذكر عندما كنت أتابع نشاط اتحاد الصناعات فى منتصف التسعينيات ومع بداية فترة رئاسة الراحل محمد فريد خميس لاتحاد الصناعات وهى كانت بداية تولى رجال القطاع الخاص لرئاسة الاتحاد ما بعد ثورة يوليو 1952 حيث كان غالبية من يتولوا رئاسة الاتحاد رؤساء شركات القطاع العام وكان آخرهم الراحل المهندس عادل جزارين رئيس شركة النصر للسيارات عام 1994.
واستطاع فريد خميس أن يحول اتحاد الصناعات إلى خلية نحل طور الجهاز الإداري وجاء بقيادات جديدة ومستشارين.. وكان مبنى الاتحاد ومازال فى عمارة الايموبيليا بوسط البلد.. ولكن كانت الاجتماعات داخل الاتحاد نهارًا ومساءً كان من السهل أن تجد وزيرًا أو مسئولًا كبيرًا يجلس مع الصناع يناقش مشاكلهم.. تحول اتحاد الصناعات إلى منظمة أعمال نشطة وسحب البساط من جمعية رجال الأعمال واتحاد الغرف التجارية وقتها وكان للاتحاد كلمة مسموعة فى أروقة الحكومة وقتذاك.. وفى هذا الاتحاد تم دراسة أثار تطبيق اتفاقيات تحرير التجارة ((الجات)) والشراكة المصرية الأوروبية كتب ودراسات أعدها الاتحاد كانت توزع على كل المسئولين والصحفيين.. كان فريد خميس ذكيًا كان يحيط نفسه بمجموعة من كبار الكتاب والإعلاميين ويدعوهم لاجتماعات اتحاد الصناعات ليتنبوا قضايا الصناعة ويطرحوها صحفيًا وإعلاميًا.. بالإضافة إلى المؤتمرات التى تعقد دوريًا لمناقشة قضايا اقتصادية كثيرة.. كل ذلك كان يقابله اهتمام حكومى ملحوظ.
حتى أن الاتحاد كان يقود منظمات الأعمال الأخرى من خلال اللقاء المشترك الذى كان يجمع رؤساء منظمات الأعمال اتحاد الصناعات واتحاد الغرف التجارية وجمعية رجال الأعمال فى القاهرة والإسكندرية ورؤساء جمعيات المستثمرين فى العاشر و6 أكتوبر كانوا يلتقون فى الأول من كل شهر يناقشون القضايا المطروحة وينسقون مواقفهم بحيث يكون رأى موحد لمنظمات الأعمال فى القضايا الاقتصادية أو فى حوارهم مع الحكومة.
واستمر أداء اتحاد الصناعات هكذا حتى مع تولى الراحل د. عبدالمنعم سعودى رئاسة الاتحاد وكان معه المهندس أحمد عز وكيلًا للاتحاد وكان منظمًا ونشطًا فى تحديث العمل بإدارات الاتحاد وجعله عز كبيت خبرة واستشارات يأتى بأكبر المكاتب الاستشارية لإعداد دراسات فى كل ما يخص الصناعة والاقتصاد.. بل كان أداء الاتحاد ينعكس بالإيجاب على أداء الغرف الصناعية التى استطاعت أن تحقق نهضة فى قطاعاتها مثل الغرف الغذائية والهندسية والنسيجية والملابس والكيماوية وظلم ذلك فى تطور زيادة صادراتها.
وحتى مع تحفظنا على أن اتحاد الصناعات كان له دور فى إخراج اتفاقية الكويز فى فترة رئاسة جلال الزوربا.. فكان الاتحاد له دور واضح فى فعاليات هذه الاتفاقية.. إن جملة ما نريد قوله أن اتحاد الصناعات كيان كبير ومسئولياته جسيمة فلابد أن يقوم بدوره فلا أحد يعرف حال الصناعة ومشاكلها مثل أصحابها فعليهم دائما المبادرة بطرح القضايا والمشاكل واقتراح الحلول وعقد المؤتمرات ولا خلاف على دور بعض اللجان مثل الأداء المتميز للجنة الضرائب والجمارك بفضل مجهود رئيسها محمد البهى الذى دائما ما يبادر بالدعوة لاجتماعات اللجنة كلما جد جديد مع الضرائب والجمارك لذلك ترى حضورًا كبيرًا لنشاطها من جانب أعضاء الاتحاد.. فهل يا ترى كل اللجان بهذه الطريقة؟.
إن الوضع الآن بالنسبة للصناعة فى غاية الصعوبة ويتطلب عملا شاقا وسعى مستمر لمواجهة المشاكل التى تتعرض لها المصانع وتتطلب حوارات ونقاشات مع الحكومة لمواجهة تعثر المصانع وما يترتب عليه من مشاكل مع البنوك والعمالة والضرائب.. كل ذلك يحتاج لكيان قوى يتحدث نيابة عن المصانع وأصحابها يقدم حلولا لصانع القرار لا أن ينتظر حتى تحدث الأزمة ويتعامل معهم.