
صنعت الحكومة أزمة فى سوق الأرز بقراراتها الصدامية والعقابية والجبرية.. سواء بتسعير الأرز أو بمعاقبة من يمتنع عن التوريد أو بتفتيش المخازن والمضارب.. فبدلا من أن تجهد الحكومة نفسها فى البحث عن آليات مرنة ومنطقية لإتاحة سلعة الأرز التى هى فى الأصل متوفرة من خلال أن الانتاج المحلى يكفى حجم الاستهلاك من الأرز.. إذن السلعة فى الأصل متوفرة.
ولكن من الطبيعى أن يبحث المنتج وهو المزارع عن سعر عادل لبيع السلعة على ضوء ما تحمله من تكاليف وحقه فى تحقيق هامش ربح، ولكن الواضح أن الحكومة تريد من المزارع أن يتحمل معها الأزمة وأن يتغاضى عن تحقيق ربح من زراعة الأرز وبيعه للحكومة بالسعر الذى تريده وهذا أمر ضد المنطق ولن يقبله أحد.. فكانت نتيجة قرارات وزير التموين أن اختفى الأرز من السوق، وها هى الوزارة والحكومة قررتا اللجوء لاستخدام عقوبات الحبس والغرامة للبحث عن الأرز من خلال تفتيش المزارع والمخازن والمضارب وكل من يثبت لديه أرز ولم يورده لمخازن الوزارة.
وكان أجدر بالحكومة أن تبحث عن أساليب لتحفيز المزارعين على توريد الأرز وذلك بتقديم سعر محفز للتوريد فكيف يورد الفلاح طن الأرز بـ6500 جنيه فى حين أن هناك من يشتريه منهم بـ8500 و9 آلاف جنيه للطن؟ لماذا يخسر الفلاح 2000 جنيه فى الطن؟.. وهل ما دعمته الحكومة من شيكارتين سماد تعوض هذه الخسائر؟ بالطبع لا.
أليس من الأفضل أن يقترب سعر التوريد من السعر العالمى للطن لدينا مثال عملى ما قامت به وزارة التموين منذ شهور قليلة باستيراد 50 ألف طن أرز بسعر 500 دولار للطن أى ما يعادل 12 ألف جنيه للطن بخلاف تكلفة الشحن والنقل وباقى اللوجستيات.
إننا على أعتاب أزمة غذاء عالمية وعلينا أن نستعد لها وذلك بتحفيز المزارعين على زراعة السلع الاستراتيجية مثل القمح والأرز والذرة والفول.. ونقدم أسعارا تشجع الفلاح على زراعة هذه المحاصيل وعلينا ونحن ندرس سعر التوريد أن تكون أعيننا على السعر العالمى للسلعة وتكلفة استيرادها وتكلفة تدبير العملة الصعبة التى لدينا فيها أزمة.
إن ما تميزت به مصر فى ظل الأزمة الاقتصادية العالمية هو توافر السلع الغذائية رغم ارتفاع أسعارها.. فأغلب السلع الغذائية ارتفع سعرها مثل السكر والزيوت ومنتجات الألبان، فلماذا لم تتدخل وزارة التموين بفرض تسعيرة جبرية على هذه السلع؟.
إتاحة السلعة بأى سعر أفضل كثيرًا من عدم وجودها بالأسواق فترك السلعة للعرض والطلب هو الذى يحدد السعر وإذا كان لدى الحكومة تخوف من اختفاء سلعة ما بسبب احتكار مجموعة من التجار فلديها القدرة على الاستيراد من الخارج واتاحاتها بالأسواق كما فعل الدكتور أحمد جويله وزير التموين الراحل فى أزمة السكر فى نهاية التسعينيات، حينما ضرب احتكار التجار بقيامه باستيراد السكر وإتاحته فى الأسواق فتضرر المحتكرين وحققوا خسائر كبيرة.. وكان من الأفضل ألا تكرر الحكومة أخطاءها وتتعلم من دروس أزمة القمح وكيف أن استيراده يكلفنا مليارات الدولارات سنويًا؟ لأننا لم نشجع الفلاحين على زراعة مساحة كبيرة ولكن نفس الأمر يحدث مع الأرز وتتناقص مساحة زرعة هذا الموسم بنحو 5% عن مساحة العام الماضى.
وهذا يعنى أن إدارة الأزمة فى سلعة متوافرة تنتج محليا وبها فائض فمن غير المنطقى أن تختفى السلعة من الأسواق بسبب سياسات الحكومة التى تناقض نفسها فى التعامل مع الملفات الاقتصادية فكيف وهى التى قامت بتحرير سعر الصرف وما تبعه منذ تكلفة وارتفاع الأعباء التى يتحملها كل منتج ومن بينهم المزارعين.. فكان من الضرورى أن يكون هذا النهج الحكومية فى باقى الملفات فى شأن تنظيم الأسواق.
ومثل هذه القرارات لا يجب أن تأخذها الحكومة بعيدًا عن العاملين فى هذه السلطة نتشاور لنصل لسعر عادل وآليات مرنة تضمن توافر السلعة تحفز المنتج والمزارع على زراعتها وألا نكون قصيرى النظر فنحن على أعتاب أزمة غذاء عالمية، وفقًا لتقارير البنك الدولى.. ومن الضرورى أن تحاط لذلك ومن الآن ندرس كيفية تحفيز المزارعين على زراعة الأرز وتوريده للتموين بأسعار عادلة وبدلًا من أن يأكل الإنسان الأرز نجده يقدم كعلف للمواشى وللدواجن عندًا فى وزارة التموين.