
على الرغم من التحسن الذى تحقق خلال العقد الماضى، لا يزال الشمول المالى فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منخفضا نسبيا. ووفقا للمؤشر العالمى للشمول المالى، فإن 53% فقط من البالغين فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لديهم حساب مالى (يشمل ذلك استخدام الأموال عبر الهاتف المحمول) حتى عام 2021، ارتفاعا من 38% فى عام 2011.
وبالمقارنة، بلغ المؤشر الرئيسى نفسه فى منطقة أفريقيا جنوب الصحراء 55% فى عام 2021، و68% فى منطقة جنوب آسيا، و74% فى منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبى، و83% فى منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، و90% فى منطقة أوروبا وآسيا الوسطى، فى حين بلغ المتوسط العالمى 76%. وفى الوقت الذى يتصدى فيه واضعو السياسات لكيفية توسيع نطاق الشمول المالى، يدرس بعضهم، بما فى ذلك فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، استحداث عملة رقمية تصدرها البنوك المركزية.
والعملة الرقمية التى يصدرها البنك المركزى هى شكل من أشكال الأموال الرقمية، مقومة بوحدة الحساب الوطنية، وهى مسؤولية مباشرة للبنوك المركزية. وعلى غرار النقد، تمثل العملة الرقمية التى يصدرها البنك المركزى أموال صادرة عن البنك المركزى، مما يجعلها مختلفة اختلافا جوهريا عن الأموال الخاصة مثل الودائع المصرفية والأموال الإلكترونية التى تمثل التزامات على المؤسسات المالية الخاصة. وهناك نوعان من العملة الرقمية التى تصدرها البنوك المركزية:
لا يمكن إتاحة بيع هذه العملة بالجملة إلا للمؤسسات المالية، ومن هذا المنطلق، فهى تشبه ودائع البنوك المركزية.
يمكن بيعها بالتجزئة للأسر والشركات، وبالتالى تكون أكثر ملاءمة للشمول المالى. وبيع العملة الرقمية التى تصدرها البنوك المركزية والأموال النقدية فى صورة مادية بالتجزئة هما الشكلان الوحيدان للأموال المسؤول عنها البنك المركزى ويمكن لجميع العاملين فى النشاط الاقتصادى الحصول عليهما (أى الأفراد، ومؤسسات الأعمال والشركات، والهيئات الحكومية، والمؤسسات المالية). ولذلك يمكن توصيف العملة الرقمية التى تصدرها البنوك المركزية بأنها شكل رقمى للنقدية.
ويدور محور تركيز هذه المدونة على بيع العملة الرقمية التى تصدرها البنوك المركزية بالتجزئة نظرا لأثرها المحتمل على الشمول المالى (من هنا يشار إليها ببساطة باسم العملة الرقمية للبنك المركزى CBDC).
وعلى الرغم من منافع استخدام هذه العملة، يتعين إجراء المزيد من الاختبارات، مع الوقت وفى مختلف البلدان والمناطق، لاستخلاص نتائج موثوقة فيما يتعلق بأثرها فى الواقع العملى. وحتى الآن، لم تطلق سوى 3 بلدان البيع بالتجزئة لهذه العملة بصورة تامة (جزر البهاما، وجامايكا، ونيجيريا). وهناك العديد من البلدان والمناطق التى تجرى تجارب مماثلة (مثل البنك المركزى لشرق الكاريبى، والصين، وغانا). وهناك بلدان أخرى فى مراحل مختلفة من تقييم جدوى هذه العملة.
وتعتمد العوامل المحركة لتعميم لهذه العملة والمنافع المرجوة منها على سياقات محددة للبلد المعنى وخصائص تصميم محددة. وتركز مجموعة من العوامل المحركة على الحفاظ على دور المال العام مع الحفاظ فى الوقت نفسه على الاستقرار المالى والسيادة النقدية فى سياق التحول السريع إلى المدفوعات الرقمية وظهور بعض الأشكال الخاصة للأموال (مثل الأصول المشفرة، والعملات المعدنية المستقرة).
وتعالج المجموعة الأخرى من العوامل المحركة الفجوات أو الإخفاقات المتصورة للمدفوعات الرقمية التقليدية فى تحقيق أهداف السياسات العامة مثل الشمول المالى والمنافسة والتشغيل البينى والمدفوعات عبر الحدود. وتشمل العوامل والمنافع المحتملة الأخرى الاستقرار المالى، وكفاءة المدفوعات الحكومية، وتنفيذ السياسات النقدية.
وعند النظر إلى العملة الرقمية للبنك المركزى كأداة لتسهيل الشمول المالى، من الأهمية بمكان ضمان وجود عوامل التمكين الأساسية (التى تم إبرازها فى الإرشادات التى تناولت جوانب الدفع الخاصة بالشمول المالى) حيث ستواجه هذه العملة التحديات التى تواجه العديد من الأساليب المستخدمة حتى الآن للوصول إلى العملاء الذين لا يملكون حسابات مصرفية وتقديم الخدمات لهم (على سبيل المثال، المدفوعات الرقمية عبر الهاتف المحمول).
وبالتالى، يتطلب نجاح تعميم هذه العملة خصائص تصميم تعزز الشمول المالى فى المقام الأول، مثل القدرة على التعامل خارج شبكة الإنترنت، والدعم الفنى للهواتف المحمولة البسيطة، والقدرة على المبادلة بسهولة بين هذه العملة والنقد المادى، والاستفادة من شبكات الوكلاء المنتشرة على نطاق واسع، وتبسيط إجراءات العناية الواجبة، ونظام توزيع من مستويين يسمح بمزيد من الابتكار من جانب القطاع الخاص.
كما أن ضمان التشغيل البينى مع أنظمة الدفع القائمة والقبول الواسع من جانب التجار أمران لا يقلان أهمية أيضا. ومن شأن الجمع بين السمات والخصائص المذكورة أعلاه أن يعزز القيمة الفريدة لهذه العملة فى سياق الشمول المالى. وعلاوة على ذلك، من الضرورى وضع إطار قانونى وتنظيمى قوى يسهل التعاون بين القطاعين العام والخاص ويتيح تكافؤ الفرص لكل من مقدمى خدمات الدفع من البنوك وغير البنوك للمنافسة وخدمة المستخدمين النهائيين.
وعلى البنك المركزى الذى يعتزم استغلال مزايا هذه العملة أن يقيم بعناية جميع آثارها بصورة مسبقة وأن يعتمد خطة لمنع مخاطرها وتخفيفها و/أو النظر فى وجود بدائل لها. وتشمل الجوانب السلبية المحتملة لهذه العملة عدم قيام البنوك التجارية بأنشطة الوساطة، والتشوهات التى تحول دون تحقيق تكافؤ الفرص أمام أدوات الدفع الرقمية الأخرى الموجودة أو المخططة، ومخاطر السمعة التى يتعرض لها البنك المركزى فى حالة الإخلال بالأمن واختراق الخصوصية. ويمكن أيضا النظر فى الأساليب البديلة لهذه العملة، ويشمل ذلك تنفيذ أنظمة الدفع السريع وتوسيع إمكانية الوصول إلى أنظمة الدفع للداخلين إلى السوق من غير البنوك، وذلك فى مرحلة مؤقتة للتمكين من استخدام هذه العملة على نحو أكثر سلاسة فى مرحلة لاحقة.
وفى الختام، يعد فهم المشهد العام فى كل بلد أو منطقة وكذلك فهم طبيعة أصحاب المصلحة الرئيسيين خطوة أولى مهمة لتقييم ما إذا كانت هذه العملة خيارا فعالا لمعالجة الاستبعاد المالى. ويجب أن يأخذ هذا التقييم بعين الاعتبار الابتكارات وأدوات السياسات الأخرى التى قد تكون أكثر ملاءمة فى ضوء قدرة البنك المركزى القائم بالتنفيذ. وعلى مدى الأشهر والسنوات المقبلة، يمكن استخلاص الدروس من البلدان والمناطق التى قامت بتعميم استخدام هذه العملة نظرا لأن الكثير منها مدفوع بالتصدى لتحديات الاستبعاد المالى. للمزيد من التفاصيل، انظر ورقة عمل صدرت مؤخرا عن العملات الرقمية للبنوك المركزية والشمول المالى.
بقلم: نادر محمد، المدير الإقليمى للنمو العادل والتمويل والمؤسسات بالبنك الدولى
جان بيسمى، مدير وحدة خدمات نزاهة الأسواق المالية بالبنك الدولى
أندريه بوبوفيتش، كبير أخصائيى القطاع المالى، البنك الدولى
المصدر: البنك الدولى