
القنوات الخلفية الجديدة أكثر حيوية في ظل دخول المزيد من القرارات حيز التنفيذ
عُمان والإمارات استوردتا بترولاً روسياً في 10 أشهر يتجاوز ما استوردته في 3 أعوام سابقة
ماليزيا تُصدر ضعف ما يمكن أن تنتجه من البترول الخام إلى الصين
لا شك أن تهرب روسيا من العقوبات ستكون له آثار جانبية سيئة على باقي العالم
تراجعت الشركات الغربية التي كانت مهيمنة ذات يوم على التجارة والشحن والتأمين، عن البترول الروسي في العام الذي أعقب اندلاع الحرب في أوكرانيا، وبدلاً منها، بدأ القادمون الجدد الغامضون، المساعدة في بيع خام البلاد ومقرهم في هونج كونج أو دبي، وليس في جنيف.
أصبح نظام الطاقة العالمي أكثر تشتتاً وانقساماً وخطورة، وأصبحت حاجة روسيا لسلسلة التوريد البديلة هذه، الموجودة منذ بدء الحرب، أكثر إلحاحاً بعد 5 ديسمبر، عندما بدأ سريان حزمة العقوبات الغربية.
هذه الإجراءات تحظر الواردات الأوروبية من الخام المنقول بحراً، وتسمح للسفن الروسية بالاستفادة من شركات الخدمات اللوجستية والتأمين الغربية فقط إذا كان سعر حمولتها أقل من 60 دولارا لبرميل، كما ستدخل المزيد من العقوبات على الديزل وغيره من المنتجات المكررة حيز التنفيذ في 5 فبراير، ما يجعل القنوات الخلفية الجديدة أكثر حيوية.
ذكرت مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية أن الصادرات الروسية تلقت ضربة قوية بعد سريان العقوبات الأوروبية الأولي في ديسمبر، ثم تعافت بعد شهرين إلى مستويات شوهدت لآخر مرة في يونيو، فكما هو متوقع حصلت الصين والهند على معظم البراميل المحظورة.
ومع ذلك، ظهرت مفاجأة وهي ارتفاع حجم البضائع ذات الوجهات غير المعروفة، وأصبح البترول الروسي، الذي كان من السهل تتبعه، يُوزع الآن عبر مزيد من القنوات المظلمة.
ما تزال بعض التجارة تستخدم نفس شركات الشحن اليونانية وشركات التأمين البريطانية والبنوك الهولندية واليابانية التي حكمت الصناعة لفترة طويلة، فهذه القنوات استمرت بفضل الحد الأقصى للسعر الذي حدده الغرب.
في ديسمبر، وفي ظل توقف الشركات الأوروبية مؤقتاً للنظر في الأعمال الورقية المعنية، انهارت حصة الخام الروسي الغربي الذي حصلت عليه من 60% إلى 13%، والآن توغلت الأمور القانونية لتعود الحصة إلى 36%، لكن هذه النسبة ستنخفض على الأرجح مرة أخرى.
في الأول من يناير، قررت أكبر شركات إعادة التأمين في العالم، والتي تؤمن شركات التأمين، التوقف عن تغطية الشحن من الموانئ الروسية، بالتالي لم يعد أمام شركات التأمين الغربية الآن خيار سوى التخارج أو تمرير التكاليف الإضافية الناتجة عن المخاطر المتزايدة.
في الطرف الآخر من الخيط، تكمن التجارة “السوداء”، التي جربتها واختبرت من قبل منتجين مثل إيران وفنزويلا، إذ تبحر الناقلات المحطمة التي يعود تاريخها إلى نصف قرن إلى العملاء بشكل سري مع إيقاف تشغيل أجهزتهم للإرسال والاستقبال، وهذه الناقلات عادة ما يُعاد تسميتها وطلائها، وأحياناً يجري هذا عدة مرات أثناء الرحلة.
غالباً ما يمرون عبر محطات مزدحمة حيث يتم مزج بترولهم الخام مع الآخرين، مما يصعب اكتشافهم.
في الآونة الأخيرة، رُصدت ناقلات ضخمة عديدة كانت راسية سابقاً في الخليج، وتنقل البضائع من السفن الروسية الأصغر قبالة جبل طارق.
يبدو أن عُمان والإمارات، اللتان استوردتا بترولاً روسياً في الأشهر العشرة الأولى من 2022 أكثر مما استوردته في الثلاثة أعوام السابقة مجتمعة، قد مزجت البترول وأعادتا بيع بعضه إلى أوروبا.
كما تصدر ماليزيا ضعف ما يمكن أن تنتجه من البترول الخام إلى الصين، وربما يكون جزء كبير منه من إيران، فمراقبي السفن يشتبهون في تسلل عدد قليل من البراميل الروسية إلى الداخل أيضاً.
ورغم إمكانية الشركات الروسية بيع البترول بشكل قانوني إلى كثير من دول العالم، فإن هذه القناة تبدو شاقة بلا داعٍ، فحصة الصادرات التي تتدفق من خلالها صغيرة رغم أن الرقم قد يبدو كبيراً.
بدلاً من ذلك، يمر معظم البترول الخام الروسي عبر خطوط أخرى ليس بإمكانها تحديد سقف السعر، لكنها ليست غير قانونية، لأنها تستخدم لوجستيات غير غربية وتوصيلها إلى دول لا تندرج ضمن الحصار.
هذه البنية التحتية المبهمة والمشتتة تعتمد على ثلاث ركائز رئيسية، وهي مجموعة جديدة من التجار، وأسطول ناقلات ضخم ومتزايد، ومصادر تمويل جديدة.
كان الخام الروسي يُباع في الخارج عن طريق الأذرع التجارية للمنتجين الروس وشركات البترول الغربية الكبرى وتجار السلع السويسريين، وهذه الأذرع مقرها كان يقع في الغالب في جنيف، لكن يبدو أن العديد من هؤلاء انتقلوا إلى مواقع أكثر صداقة.
مع انسحاب التجار الغربيين، ظهر الوافدون الجدد للبيع للهند وسريلانكا وتركيا وغيرها، ومعظمهم ليس لديهم تاريخ في تداول البترول الروسي، أو في الواقع أي بترول، ويعتقد البعض أن أغلبية هؤلاء الوافدين تمثل واجهات لشركات حكومية روسية.
هذه العصابة الغريبة هي التي تنظم الأسطول “الرمادي” المترامي الأطراف.
انفجر سوق الناقلات المستعملة منذ أن نظر الاتحاد الأوروبي لأول مرة في العقوبات المفروضة على اللوجستيات، فقد تم تداول نحو 200 سفينة حاملة للخام العام الماضي، بزيادة حوالي 55% عن 2021.
يذكر أن الأسطول الذي يمكن لروسيا استخدامه لتفادي سقف الأسعار يضم الآن 360 سفينة فردية، أي ما يعادل 16% من مخزون ناقلات البترول الخام العالمي.
إذا تجنبت جميع السفن الغربية براميل الخام الروسية، فسيظل أسطول الظل كافياً للحفاظ على تدفق صادرات الخام الروسية عند المستويات الحالية، كما يقول ريد لانسون من شركة البيانات “كبلر”
لكن العديد من السفن عمرها أكثر من عقدين، وهي تجري رحلات طويلة جدًا.
وبالرغم من أن البترول الخام يستغرق أقل من أسبوع للسفر من البحر الأسود إلى أوروبا، فإنه يستغرق 45 يوماً للوصول إلى الصين.
مع ازدهار الأعمال التجارية، كان على الوسطاء الجدد العثور على ممولين لتمويل عملياتهم وتأمينها.
لطالما كانت القدرة على الاحتفاظ بملايين البراميل دون اللجوء إلى رأس المال، من خلال الاعتماد على خطوط ائتمان غير محدودة تقريباً من أكبر البنوك في العالم، عنصراً حاسماً في تجارة البترول، لكن هذا الأمر لم يعد ممكناً في حالة البترول الروسي، الذي تتجنبه البنوك الغربية الآن.
وبدلاً من ذلك، يبدو أن التجارة في حكومة الظل يغذيها الائتمان القادم من روسيا، حيث يدفع الوسطاء فقط ثمن الشحنة بمجرد أن يجمعوا العائدات.
وعلى نحو متزايد، توقع البنوك في الخليج الشيكات أيضاً، كما يعتقد السكان المحليون أنهم قرروا التدخل عندما بدأت شركة “أدنوك”، عملاق الطاقة الإماراتي المملوك للدولة، في تلقي الخام الروسي في نوفمبر.
كان تأمين التأمين أكثر صعوبة، فشاحنو البترول لا يحتاجون فقط إلى حماية بضائعهم وسفنهم، بل تتطلب سلطات الموانئ التي تتحكم في الممرات مثل مضيق البوسفور أيضاً الحماية والتعويض عن أي أضرار قد تسببها السفن للأشخاص أو الممتلكات أو الطبيعة.
يمكن أن تكون الالتزامات الناشئة عن التسرب البترولي كبيرة لدرجة أن 90% من تأمين الحماية والتعويض العالمية يتم توفيرها من قبل أندية مالكي السفن، ومعظمهم في لندن، والتي تجمع أقساط التأمين.
ومع ذلك، تم العثور هنا أيضاً على حلول .. فمنذ ديسمبر بدا وكأن الشركات الروسية، التي غالباً ما تكون جديدة في مجال الشحن، قد تدخلت لتوفير التأمين على البضائع والسفن.
يشك خبراء التأمين في أن بعض الموانئ التي تخدم الدول التي تلتهم البترول الخام الروسي، خصوصا الهند، خفضت مستوى التغطية التي تتطلبها الناقلات القادمة.
في الوقت نفسه، يمكن للصين والهند شراء مزيد من الخام الروسي، خصوصا أن صهاريج التخزين الخاصة بهما ما تزال ممتلئة عند مستوى أقل من ثلثيها، مما يشير إلى أن معظم ما تشتريه يتم تكريره وإعادة بيعه، وبعضه يتجه إلى أوروبا.
في الثالث من يناير، رفعت الصين حصص تصدير البترول المكرر بنحو 50% مقارنة بالعام الماضي، ربما هذا تمهيداً لشراء مزيد من البترول الخام من روسيا وبيع المنتجات المكررة في الخارج، كما يشير جيوفاني سيريو، من شركة “فيتول”.
لا شك أن التوسع في التجارة الرمادية يدر نفعاً على روسيا، فهي تضع بذلك المزيد من آلاتها التصديرية بعيداً عن سيطرة الوسطاء الغربيين، ويصبح التسعير أقل شفافية.
تكافح التقديرات الغربية لأسعار خام الأورال، بناءً على عدد قليل من التداولات الفعلية، لتتبع التكاليف.
كما تشير بيانات الجمارك الهندية الصادرة عن نوفمبر، وهي أحدث بيانات متاحة، إلى أن البلاد اشترت البترول بتخفيضات أقل بكثير من تلك التي تم الإبلاغ عنها في ذلك الوقت.
كذلك، يوفر وسطاء السوق الرمادية قناة لتحويل الأموال إلى حسابات الشركات الخارجية التي يمكن أن يؤثر عليها الكرملين على الأرجح.
في غضون ذلك، سيكون لتهرب روسيا من العقوبات آثار جانبية سيئة على بقية العالم، الأول هو زيادة تقسيم تجارة البترول على أسس جيوسياسية حادة، إذ قالت العديد من الشركات الغربية الكبرى، بما فيها “إكسون موبيل” و”شل”، في ديسمبر إنها لن تستأجر ناقلات تحمل البترول الروسي بعد الآن، ما أجبر أصحابها على الانحياز.
الأثر الآخر هو جعل تداول البترول عملاً محفوفاً بالمخاطر، فجزء كبير من البترول في العالم يُنقل عبر شركات ليست لها سمعة، وعلى متن سفن قديمة تقوم برحلات أطول وأكثر كثافة مما كانت تفعله من قبل، وإذا تسببت هذه السفن في وقوع حادث، فقد تكون شركات التأمين غير راغبة أو غير قادرة على تغطية الضرر.