بدأت العقوبات الأمريكية على روسيا فى انهاء عقود من سيطرة الدولار على تجارة النفط الدولية، إذ أن معظم الاتفاقات التى أبرمتها الهند على الخام الروسى تم تسويتها بعملات أخرى، وفق ما نقلته رويترز، الأربعاء.
وقالت الوكالة، إن هيمنة الدولار كانت دائمًا محل تساؤل، لكنها استمرت فى ظل المنافع المهولة من استخدام العملة الأكثر قبولًا فى النشاط الاقتصادى.
وفى خضم تعاملها مع الاضطراب الذى سببته العقوبات والحرب بين روسيا وأوكرانيا، قدمت تجارة النفط الهندية، الدليل الأقوى على أن التحول لاستخدام العملات الأخرى قد يصبح طويل الأمد.
والهند هى ثالث أكبر مستورد للنفط فى العالم، وأصبحت روسيا أكبر مورد للنفط بعدما تخلت أوروبا عن إمدادات موسكو عقب الغزو الروسى لأوكرانيا فى فبراير من العام الماضى.
وبعدما فرض تحالف معارض للحرب قيود على سعر النفط الروسى بداية من 5 ديسمبر، دفع المشترون الهنود ثمن معظم شحنات النفط الروسى بعملات أخرى بخلاف الدولار بما فى ذلك الدرهم الإماراتى والروبل الروسى، بحسب ما ذكر عدد من التجار والمصادر المصرفية رويترز، وتجاوزت العمليات فى الأشهر الثلاثة الأخير، ما يعادل 700 مليون دولار، فى توجه مغاير لما كان الوضع عليه قبل ذلك.
وفرضت مجموعة السبع والاتحاد الأوروبى وأستراليا، سقف سعرى أواخر العام الماضى، وهو مايمنع شركات الشحن من تداول النفط الروسى إلا فى حالة بيعه بسعر أقل من السقف المحدد بما يحرم روسيا من أهم المصادر التى تمول بها حربها على أوكرانيا.
ورصدت رويترز أن الكثير من التجار فى دبى وشركات الطاقة الروسية سواء جازبروم أو روزنفت، يسعون لاتفاقات بعملات أخرى بخلاف الدولار، لبعض أنواع الخام الروسى، التى تم بيعها الفترة الماضية بأعلى من 60 دولارا للبرميل، وهو السقف السعرى، الذى فرضته مجموعة دول السبع.
وتمثل تلك المبيعات، حصة صغيرة من إجمالى مبيعات روسيا للهند، ولا يٌنظر لها كانتهاك للعقوبات، ويتوقع مسئولون ومحللون أمريكيون أن يكون تم نقلها عبر شركات شحن وتأمين روسية.
ودعمت 3 بنوك هندية بعض تلك العمليات مع سعى موسكو لتحويل اقتصادها وتجارتها عن الدولار، لتجنب العقوبات، بحسب ما قاله متداولون ومسئول روسى سابق ومسئولون أمريكيون لرويترز.
لكن استمرار الدفع بالدرهم الإماراتى مقابل النفط الروسى قد يصبح أصعب بعدما وضعت أمريكا وبريطانيا الشهر الماضى البنك الروسى إم تى إس، الذى يتخذ من دبى وموسكو مقرًا له، على قائمة العقوبات، ولعب البنك دورًا فى تسهيل بعض عمليات توريد نفط بعملات أخرى بخلاف الدولار للهند.
ونقلت الوكالة عن مصدر فى قطاع التكرير الهندى، أن معظم البنوك الروسية تواجه عقوبات منذ الحرب، لكن العملاء الهنود والموردين الروس مصممون على مواصلة تداول النفط الروس، وأضاف: “سيجد الموردون الروس بنوكًا أخرى لتلقى المدفوعات”.
وأشار إلى أن الحكومة لا تطلب منهم التوقف عن شراء النفط الروسى، لذلك يأملون فى العثور على آلية دفع بديلة فى حال تعذر الاعتماد على النظام القائم، ولطالما كان تسوية تجارة بالنفط بالدولار ممارسة شائعة لسنوات، لكن بالمقارنة فإن نصيب العملة من إجمالى المدفوعات العالمية أقل من نحو 40% بحسب بيانات يناير الصادرة عن نظام المدفوعات العالمى “سويفت”.
ويقول دانيال آهن، كبير الاقتصاديين السابق فى وزارة الخارجية الأمريكية، إن قوة الدولار لا مثيل لها، لكن العقوبات يمكن أن تقوض الأنظمة المالية الغربية وتفشل فى تحقيق هدفها.
أضاف: “جهود روسيا قصيرة المدى لمحاولة بيع سلع مقابل عملات بخلاف الدولار لا تمثل التهديد الحقيقى للعقوبات الغربية، لكن الغرب يضعف القدرة التنافسية لخدماته المالية من خلال إضافة طبقة إدارية أخرى”.
وخلال العام الماضى فرض الغرب عقوبات بالجملة على روسيا كان بينها إخراجها من نظام المدفوعات العالمى سويفت، بخلاف وضع حد أقصى للأسعار مع حظر الاتحاد الأوروبى واردات النفط الروسى المنقولة بحراً، وجرى تجميد نحو نصف احتياطى العملات والذهب الروسى البالغ نحو 640 مليار دولار.
فى المقابل، قالت روسيا إنها تسعى للحصول على مدفوعات الطاقة بعملات الدول الصديقة وطالبت الدول غير الصديقة فى الاتحاد الأوروبى بدفع مقابل الغاز بالروبل الروسى.
وبالنسبة للشركات الروسية مع تأخر أو حظر المدفوعات، حتى حال عدم مخالفتهم للعقوبات، نتيجة المغالاة فى الالتزام بالعقوبات، أصبحت الأصول المقومة بالدولار، “سامة”، بحسب المحللة المستقلة والمستشارة السابق لبنك روسيا ألكسندرا بروكوبينكو.
وقالت إن روسيا تحتاج بشدة للتبادل التجارى مع بقيمة العالم، لأنها مازالت معتمدة على الإيرادات من النفط والغاز لذلك ستحاول استخدام الحلول المتاحة كافة.
أضافت :”إنهم يسعون لبناء بنية تحتية مباشرة بين البنوك الروسية والهندية”.
ويمتلك أكبر بنك فى الهند حسابًا بالعملة الأجنبية فى روسيا، وبالمثل فتحت عدد من البنوك الروسية حسابات فى البنوك الهندية لتسهيل التجارة.
وقالت جيتا جوبيناث، نائبة المدير العام لصندوق النقد الدولى، فى الشهر الذى تلا الغزو الروسى لأوكرانيا، إن العقوبات المفروضة على روسيا يمكن أن تقوض هيمنة الدولار من خلال تشجيع التكتلات التجارية الأصغر التى تستخدم عملات أخرى.
وقالت لصحيفة فاينانشيال تايمز: “سيظل الدولار العملة العالمية الرئيسية حتى فى هذا المشهد، لكن تحول جماعات صغيرة عن استخدام الدولار ممكن بالتأكيد”، ولم يرد صندوق النقد الدولى على طلب من رويترز للتعليق.
وخارج روسيا، تؤدى التوترات بين الصين والغرب أيضًا إلى تآكل المعايير الراسخة للتجارة العالمية التى يهيمن عليها الدولار، إذ تحتفظ روسيا بجزء من احتياطياتها من العملات بالرنمينبى بينما خفضت الصين حيازاتها من الدولارات، وقال الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى سبتمبر إن موسكو وافقت على بيع إمدادات الغاز إلى الصين مقابل اليوان والروبل بدلاً من الدولار.