
“بلاك روك” كان المستثمر الأكثر موثوقية لكن لم يكن ما تريده السلطات السويسرية
بعد فقدان البنك للودائع بشكل متسارع أدركت السلطات أنه ليس بوسعه فتح أبوابه الإثنين
كولم كيليهر، المسؤول التنفيذى الأيرلندى لـ”يو بى إس” كان يعلم أن عطلته لن تسير على ما يرام مع تأزم الموقف لمنافسه “كريدى سويس”، بعدما فشل خط السيولة البالغ 54 مليار دولار فى استعادة الثقة فى المقرض الذى تراجعت أسهمه بعدما قال، عمًار الخضيرى، رئيس البنك الأهلى السعودى أكبر مستثمر فيه، بأنه لن يضخ المزيد من الأموال.
وهو ما اعتبرته الأسواق العالمية القلقة بالفعل مما يحدث فى البنوك الأمريكية، عدم ثقة من أكبر مستثمرفى البنك، ولم يكن قد مر أيام على طلب المودعين سحب 42 مليار دولار من سيليكون فالى وهو ما فشل البنك فى تلبيته وانتهى بإعلان تعثره، الأمر نفسه كان يحدث لـ”كريدى سويس” الذى خسر نحو 10 مليارات فرنك من أموال عملائه الأثرياء يوميًا، ليضيف بذلك إلى الـ111 مليار فرنك التى تبخرت بعد شائعة إفلاسه التى انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى فى أكتوبر.
استدعى ثلاثى السلطة السويسرى وهم البنك المركزى وهيئة الرقابة المالية ووزيرة المالية كل من أكسيل ليمان الذى كان يحضر مؤتمر فى السعودية والرئيس التنفيذى أولريش كورنر، لاجتماع، بحسب صحيفة فاينانشيال تايمز.
وقالت الصحيفة إنه خلال الاجتماع تعهد البنك المركزى السويسرى بضخ سيولة بقيمة 50 مليار فرنك للبنك المتعثر، وبعث المسئولون برسالة أخرى مفادها: “سيتم الإندماج مع “يو بى إس” وسنعلن مساء الأحد قبل افتتاح تداولات الأسواق فى آسيا. لم يكن ذلك خيارًا” بحسب مصدر مطلع على المحادثات
حل “كريدى سويس” عبر قرار حكومى كان سيتسبب فى كارثة للنظم المالية وقد يهدد بانتشار عدوى الانهيارات فى العالم” بحسب ما نقلت الصحيفة عن مصادر آخرى كانت ضمن الاتفاقات من جانب “يو بى إس”.
أضافت أن المصالح كانت واحدة، فلم يكن فشل “كريدى سويس” جيدًا لمكانة إدارة الثروات السويسرية، لذا “قبلنا المساعدة بالشروط المناسبة”.
الغضب الذى سببه إنقاذ بنك “يو بى إس” من أموال دافعى الضرائب بعدما تكبد خسائر كبيرة فى الأزمة العالمية، مازال حاضرًا فى النفوس ما يجعل تكرار السيناريو نفسه مع “كريدى سويس” غير منطقى من الناحية السياسية.
“ليست عملية إنقاذ” شددت وزيرة المالية السويسرية، كارين كيلر سوتر، مشيرةً إلى أنه كان حل تجارى.
حينما أقر كلا الطرفين أن الصفقة لم تعد محل نقاش عينا مستشارين، احتفظ “كريدى سويس” بمستشاره منذ فترة طويلة “سنتر فيو” ، البنك الاستثمارى الذى يقوده بلير إيفرون، لكن ليمان وكورنر عيًنوا المصرفى فى نشاط بنوك الاستثمار السابق فى “يو بى إس”، بييرو نوفيلى لتقديم المشورة بشكل منفصل إلى مجلس الإدارة، وقدم روتشيلد رأيًا أكثر عدالة للمديرين، وقدم جى بى مورجان المشورة لفريق “يو بى إس”، فيما قدم مورجان ستانلى المشورة لمجلس الإدارة.
وخسر “كريدى سويس” 35 مليار دولار جديدة من ودائع العملاء خلال الأيام الثلاثة التى سبقت الجمعة التى تم الإعلان فيها عن صفقة الاستحواذ، وبحسب مصرفى على علاقة بالصفقة كانت البنوك الدولية مثل بى إن بى باريبا وإتش إس بى سى بدأت تقطع روابطها به، وهو مادفع الجهات الرقابية للاعتقاد أن البنك لن يكون قادرًا على فتح أبوابه يوم الإثنين، وكان هناك مستثمر آخر يترقب تقديم عرض وهو لارى فينك، من “بلاك روك”.
وخلال الأزمة المالية العالمية اقتنص “بلاك روك” الذراع الاستثمارى لبنك باركليز، “بى جى آى”، مقابل 15.2 مليار دولار فى صفقة حولته إلى أحد أكبر مديرى الأصول فى العالم بأصول مُدارة قيمتها 2.7 تريليون دولار، ومنذ ذلك الحين، بات مهيمن على صناعة إدارة الاستثمارات ويدير 8.6 تريليون دولار، وقد كان يتحين فرصة مماثلة فى “كريدى سويس” المتعثر.
وبحسب مصدر مطلع تحدث للصحيفة كان بلاك روك كان منفتح على عدد من الخيارات بينها الاستحواذ الجزئى، وكان الشريك الأكثر موثوقية لكنه لم يكن ما تريده الحكومة السويسرية”.
وبنهاية الجمعة، أوضح “بلاك روك” أنه لا يريد شراء كامل البنك، وتجاوب “كريدى سويس” عبر عرض الاستثمار فى حصة أقلية تشمل نوع من أنواع الشراكة فى إدارة الثروات، لكن فى النهاية قرر “بلاك روك” تعطيل العمل على الصفقة.
“فينك لم يكن يريد فعلًا تعكير مزاج يو بى إس، كأحد أكبر عملاءه. لذلك كنت موقنًا أنه فى نقطة ما لن يكون موجودًا فى الصفقة، إذ كان عليه أيضًا أن يتعامل مع الجهات الرقابية فى أمريكا، وهو أمر صعب حقًا”. بحسب المصدر مقرب لـ”كريدى سويس”.
استمرت المفاوضات خلال السبت، مع سعى الجهات الرقابية فى العالم لتوقيع اتفاق مبدئى فى ذلك المساء.
وكان هناك تأخير فى نظام البريد الإلكترونى لبنك “يو بى إس”، أدى لتأخر وصول الرسائل، لكن المشرفين على الصفقة المُتلهفين، أخبروا مسئولى البنك بالتحدث عبر الهاتف، وفى ظل تزايد الإحباط من قبل رئيس “كريدى سويس” بسبب بطء التواصل مع “يو بى إس”، كتب خطاب لوزيرة المالية السويسرية والهيئات السويسرية، وعدد فيه أسباب عدم قبولهم للصفقة.
وحمل بيان ليمان تهديدًا، وكتب أن أكبر ثلاثة مساهمين فى بنك كريدى سويس – من بينهم اثنان من المملكة العربية السعودية وواحد من قطر – أعربوا عن “انزعاجهم الشديد” من غموض الصفقة، وطالبوا برؤية سعر عادل، وإجراء تصويت على الصفقة، كما أشار الخطاب إلى أن السعوديين والقطريين كانوا عملاء كبار لكلا البنكين.
وردًا على ذلك قال الرئيس التنفيذى لـ”يو بى إس” إنهم مستعدون لتقديم عرض بقيمة مليار دولار أى 0.25 فرنك للسهم وهو أقل بكثير من إغلاق الجمعة عند 1.86 فرنك.
ثم أبلغت الحكومة بنك كريدى سويس أنها ستقدم تشريعات طارئة لتجريد كلا المجموعتين من حق التصويت على الصفقة، وغضب بنك “كريدى سويس” ، كما شعر مساهموه فى الشرق الأوسط بالغضب.
ومع تزايد الضغوط لإنهاء الصفقة قبل نهاية اليوم، كثف الثالوث السويسرى ضغوطهم على الجانبين وهددوا بعزل مجلس إدارة “كريدى سويس” إذا لم يلتزم، وعلى الجانب الآخر تم الضغط على “يو بى إس” لزيادة السعر، ووافق ممتعضًا، لترتفع فى نهاية المطاف القيمة السوقية للبنك إلى 3.25 مليار دولار.
لكنه على الجانب الآخر تفاوض على دعم من البنك المركزى السويسرى عبر خط سيولة بقيمة 100 مليار فرنك، وضمانة خسائر بقيمة 9 مليارات فرنك.
وفى نهاية المطاف كانت الشروط النهائية للصفقة مواتية لـ”يو بى إس”، لم يكن عرضًا يمكن رفضه، بحسب ما قاله أحد الفريق المتفاوض من جانب “يو بى إس” لصحيفة فايننشال تايمز.
فيما قال مستشار “كريدى سويس” إنها شروط مثيرة للغضب وغير مقبولة وتتنافى مع كامل مبادىء الحوكمة وحفظ حقوق حملة الأسهم.
وحتى هذه النقطة لم يكن كلا الطرفان قد التقيا وجهًا لوجه رغم أن مكاتبهم مقابلة لبعضهم، ومن أجل حفظ ماء الوجه أمام المستثمرين الدوليين جاءت فكرة التضحية بالسندات القابلة للتحويل لأسهم والتى تمول الدعامة الإضافية للشريحة الأولى من رأس المال، والمُصممة ليتحمل مالكوها الخسائر حينما تنمحى حقوق الملكية بالكامل وليس فى حالة حصول أصحاب حقوق الملكية على أموال.
وفى مؤتمر صحفى كان رئيس “يو بى إس” الأكثر وضوحًا قائلًا “إنه يوم تاريخى كنا نأمل ألا يأتى، الاستحواذ جاذب لمساهمى “يو بى إس”، لكن لنكن واضحين، فى ظل أن “كريدى سويس” هو المعنى، فهى عملية إنقاذ طارئة”.