تمثل الرعاية الصحية أحد أهم الحقوق الإنسانية المكفولة لكل البشر طبقاً لجميع الشرائع السماوية والمواثيق الإنسانية، فطبقاً لدستور منظمة الصحة العالمية، يُعتبر التمتع بأعلى مستوى من الصحة أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان، ويشمل الحق فى الصحة الحصول على الرعاية الصحية مقبولة التكلفة وبالجودة المناسبة وفى التوقيت المناسب.
وعلى الرغم من بديهية هذه الحقائق، فإنَّ هناك الكثير من المعوقات التشريعية والمالية والتنظيمية والطبية التى تحول دون حصول جميع البشر على تلك الحقوق، خاصة بالنسبة لفئات معينة من الأمراض، وعلى رأسها الأورام التى تشكل عبئاً هائلاً على موازنات الرعاية الصحية فى معظم دول العالم، وبصورة خاصة الدول النامية المثقلة بالأعباء والأولويات والمواءمات.
فى الوقت نفسه، يشكل السرطان أحد أهم أسباب الوفاة فى العالم؛ حيث تشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أن السرطان هو السبب الرئيسى فى وفاة 10 ملايين شخص حول العالم فى 2020.
وأشار الأستاذ الدكتور محمد عبدالمعطى سمرة، عميد معهد الأورام، أنّه طبقاً لإحصائيات منظمة الصحة العالمية، وصل عدد الحالات التى تم تشخيصها بالسرطان فى مصر إلى 135 ألف مريض فى 2020، ومن المتوقع أن يقفز هذا العدد من 250 إلى 300 ألف مصاب فى 2050.
وتشير هذه الإحصائيات وغيرها إلى تفاقم المشكلات الصحية والمالية المرتبطة بعلاج السرطان فى مصر، وهو ما يشير لضرورة اتخاذ إجراءات غير تقليدية فى التعامل مع أساليب علاج الأورام فى مصر.
ومن أهم الإجراءات الجذرية لمواجهة تلك المشكلة، إقامة مصنع لإنتاج مستحضرات وأدوية الأورام، وهو ما كان حلماً كبيراً لشركة سيديكو منذ سنوات طويلة؛ لأنه سيسهم فى تحقيق الأمن الدوائى فى مصر، ويمثل جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى، بالإضافة لتحقيق رؤية مصر 2030 لتطوير ونمو القطاع الصحى.
وفى سبيل تحقيق هذا الحلم الكبير، قامت سيديكو للصناعات الدوائية اعتماداً على التخطيط العلمى المدروس والجهود المستمرة والدراسات المستفيضة، بتحويل هذا الحلم لحقيقة وإقامة مصنع مستحضرات الأورام طبقاً لأعلى المعايير العالمية بالتعاون مع شركة CSV الإيطالية، الشركة الأولى عالمياً فى تصميم وإنشاء مصانع أدوية الأورام والتى سبق لها إقامة أكثر من 63 مصنع أورام فى عدد كبير من الدول حول العالم.
ولقد كان من أهم أهداف المصنع تأمين استدامة إمدادات أدوية علاج الأورام المدرجة ببروتوكولات العلاج الأساسية فى مصر والدول المجاورة.
إنّ بروتوكولات علاج السرطان عبارة عن أساليب علاج معيارية مستمدة من التجارب العلمية والممارسات الطبية الدقيقة على مدار عقود طويلة، ولهذا فإنّ حصول المريض على البروتوكول العلاجى دون انقطاع وفى المواعيد المحددة يمثل أحد أهم المعايير التى تضمن تحقيق النتائج العلاجية المرجوة، وهو ما يعنيه مصطلح «الاستدامة العلاجية».
فليس من المقبول مطلقاً تحت أى ظرف من الظروف أن تقوم أى مؤسسة علاجية بإبلاغ المريض بعدم توافر أدوية علاج الأورام لظروف متعلقة بالاستيراد أو لنفادها أو عدم كفايتها، وهنا يبرز الدور المحورى لمصنع سيديكو الجديد فى توفير تلك الأدوية بكميات كافية ودون انقطاع للمرضى فى السوق المصرى.
من ناحية أخرى، يعمل المصنع الجديد على خلق قيم مضافة غير مسبوقة على مستوى نقل خبرات وتكنولوجيا التصنيع الدوائى للسوق المحلى، وهو ما يتيح تصنيع أدوية السرطان وفقاً لأعلى معايير الجودة والأمان بأيدٍ مصرية مدربة تدريباً طبقاً لأرقى المستويات العالمية فى التصنيع الدوائى.
إنّ نقل وبناء القدرات ونقل التكنولوجيا اللازمة لتصنيع أدوية علاج الأورام لمصر من شأنه تحويل مصر لمركز إقليمى مهم لعلاج الأورام، وهو ما بدأت بشائره فى الظهور باستقبال المصنع لوفد رفيع المستوى من دولة زيمبابوى، والذى أشاد بالتكنولوجيا المستخدمة فى الإنتاج وطالب بضرورة توريد كميات من إنتاج المصنع للمساهمة فى تخفيف أعباء استيراد أدوية السرطان فى زيمبابوى، خاصة أنّ مصنعنا ينتج جميع الأصناف بأقل من أسعارها العالمية بنسب تتراوح من 30 إلى 60%.
ولن يقتصر دور مصنع سيديكو لمستحضرات الأورام على تصنيع أدوية الأورام فقط، ولكننا سنتعاون مع وزارة الصحة المصرية وهيئاتها، وكذلك المنظمات غير الحكومية وجمعيات دعم مرضى الأورام والمنظمات الدولية، فى تنظيم المبادرات والحملات الهادفة لرفع الوعى بالسرطان وأهمية الكشف المبكر عن الأورام وعلاجها.
وتمثل التوعية والكشف المبكر عن الأورام أحد أهم العوامل التى تسهم فى تحقيق أعلى معدلات الفعالية والنتائج العلاجية المرجوة لمريض السرطان، وهو ما يعنى أيضاً خفض تكاليف العلاج عند التشخيص المبكر مقارنة بالعلاج فى مراحل متأخرة.
وبالحديث عن تكاليف علاج مريض الأورام فى مصر، أشار رئيس معهد الأورام إلى أن المعهد يعالج 30 ألف حالة سنوياً بتكلفة تبدأ من 50 ألف حتى 200 ألف جنيه للمريض الواحد، دون احتساب أسعار الأجهزة والخدمات العامة داخل المعهد، ومن هنا يتضح بشكل جزئى أن تكاليف علاج السرطان التى تتحملها الدولة مرتفعة جداً وتمثل عبئاً هائلاً على الموازنة العامة للدولة؛ نظراً إلى أن أغلب أدوية الأورام المستخدمة فى علاج الأنواع المختلفة من الأورام، يتم استيرادها من الخارج بالعملة الصعبة.
ويزداد الوضع تفاقماً فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية فى مصر والعالم، وهو ما يزيد من وطأة هذا العبء خاصة مع الموجة التضخمية الهائلة التى أثرت على أسعار استيراد جميع الأدوية والمستلزمات الطبية لعلاج السرطان.
وهنا تتأكد مرة أخرى جدوى وأهمية مصنع سيديكو الذى سيخفض فاتورة الاستيراد بما يتراوح من 30 إلى 60%، وهو ما يعنى توجيه وفورات استيراد أدوية السرطان لعلاج أمراض أخرى وخفض قوائم انتظار المرضى نتيجة إتاحة أدوية الأورام محلياً بما يكفى احتياجات السوق المصرى وتصدير الفوائض لدول الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب أوروبا.
وتصل الطاقة الإنتاجية للمصنع 10 ملايين فيال فى العام، ومن المتوقع أن تصل مبيعات أدوية الأورام التى ينتجها المصنع إلى مليار و358 مليون جنيه خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهو ما سيحقق الاكتفاء الذاتى من مستحضرات علاج الأورام فى السوق المحلى، ويجعل مصر مركزاً إقليمياً مهماً لعلاج السرطان ونقل الخبرات وأفضل الممارسات للدول المحيطة.
بقلم: الدكتور على الغمراوى
رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة سيديكو للأدوية