الأزمات الاقتصادية والإجازات والتارجت تزيد الوضع سوءًا
أمراض القلب والضغوط النفسية أكثر شيوعًا بين المصرفيين
لطالما كانت وظيفة المصرفى بين الرغبات الأولى لحديثى التخرج الراغبين فى الحصول على فرصة عمل مستقر ومجزية، ولها مكانة مرموقة، لكن الوجه الآخر للعمل فى القطاع المصرفى، هى ساعات العمل الطويلة، والضغط النفسى والبدنى الذى يتعرض له موظفو البنوك.
“تزداد الضغوط فى أوقات مثل هذه التى نعيش فيها أزمة اقتصادية، ونقص فى العملة، الأمر يحتاج منا إقناع كل عميل خاصة الذى يمتلك تأشيرة سفر فى موسم مثل الحج أن المبلغ الذى يريده لا يمكن صرفه، وشرح أزمة السيولة التى تعانى منها مصر ككل، والذى لا يُقابل برحابة صدر من العملاء” بحسب ديانا محمد، موظفة بأحد البنوك الخاصة.
أضافت أن ارتفاع التضخم وطرح البنوك العامة شهادات مرتفعة العائد، يجعل أيام العمل أكثر ضغطًا ونضطر لمغادرة الفروع بعد 3 أو 4 ساعات من موعد الإغلاق.
أشارت إلى أن الالتزام بمواعيد العمل ومغادرته بمجرد حلول الموعد الرسمى، سيؤدى فى النهاية لخفض تقييم الموظف، بينما يؤدى تحمل ساعات عمل طويلة إلى تحمل مشكلات صحية، فهى فى العشرينات تعانى من مشكلات فى الظهر، وضععف نظرها بشكل كبير، بخلاف وقوعها تحت ضغط دائم أثر على حياتها الشخصية، وتواصلها مع أفراد عائلتها.
اقرأ أيضا: البنوك تتجه للترويج لمنتجاتها من خلال المجالس التصديرية
ويتفق مايكل نجيب، مدير أحد فروع البنوك الخاصة، بأن هناك أيام أسوأ من غيرها ويحتاج التعافى منها أيام، وعلى رأسها الأيام التى تعقب الأجازات.
ويقول نجيب:”فى الأوقات الطبيعية ينتظر العملاء أمام الفرع من الساعة السادسة صباحًا ويسجلون حضورهم بالترتيب فى ورقة ويسلمونها للأمن، لكن بعد الإجازات تكون هناك حشود من العملاء”.
أوضح أن بنكه يقدم بعض الخدمات حصرًا عبر القنوات الرقمية، وفى الأيام الطبيعية يمكن إقناع العملاء بذلك مع شرح خطوات التسجيل من قبل موظفى خدمة العملاء، لكن بعد الأجازات الأمر يستغرق أضعاف الوقت.
ساعات العمل الطويلة أدت لإصابة مصرفيين فى العشرينات والثلاثينات من عمرهم بأزمات قلبية، بحسب ما قاله أطباء فى لندن لموقع بزنيس إنسايدر.
وقال أرجون جوش، مستشار أمراض القلب فى “بارتس هيرت سنتر”إن هناك ارتفاعا 10% فى عدد المصرفيين تحت الثلاثين الذين يتم نقلهم للمستشفيات فى العقد الأخير.
وشاركت إحدى المصرفيات السابقات تجربتها مع بزنس إنسايدر، مشيرة إلى أنها كانت فى عامها الثانى كمحلل مالى فى أحد البنوك الأوروبية الكبرى، حينما أصابتها الأزمة القلبية الثالثة، ما دفع طبيبها بنهرها:”إذا واصلت العمل بتلك الوتيرة ستموتين”.
وقال أحمد محمود، وهو مسئول مبيعات قروض للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر فى أحد البنوك العامة، إنه مع تزايد حدة الأزمة الاقتصادية، ارتفعت نسبة تعثر القروض متناهية الصغر، ومع سياسة البنك فى جعل تحصيل القروض مهمة مسئول المبيعات أصبحت تحت ضغط كبير.
أضاف :”المصريين مبيغلبوش فيه تلاعبات بتحصل، بنحاول نكتشفها وندخل العميل قائمة المزورين ليُمنع من التعامل مع البنك، لكن دائمًا أنا تحت ضغط التحول إلى “مخاطر تشغيل”، وهو إجراء يتم اتخاذه مع من يشك البنك تيسيره عمليات التلاعب”.
أوضح أن رفع الفائدة أيضًا جعل تحقيق التارجت للإدارة ككل يحتاج “عناية إلهية”، وبالتالى الحفاظ على تقييمه وحصته فى الأرباح صعب، مشيرًا إلى أنه سعى للانتقال لإدارة كبار العملاء للتخلص من القلق الدائم المحيط به.
اقرأ أيضا: البنوك تواجه التضخم بزيادة رواتب الموظفين
وأشار إلى أنه أصيب بنوبات هلع فى عدد من المواقف الصعبة التى تعرض لها بخلاف معاناته من اضطراب القلق لمعظم الوقت تقريبًا.
يقول الأطباء لبزنس إنسايدر، إنهم يرون بانتظام المصرفيين الشباب الذين يعانون من نوعين من أمراض القلب – عدم انتظام ضربات القلب والتهاب عضلة القلب، وكلاهما يمكن أن يؤدي إلى نوبة قلبية قاتلة ويمكن زيادة احتمالية حدوثهما بسبب العمل المفرط والإجهاد وتعاطي المخدرات.
“الأسوأ من الأيام التى تعقب الإجازات أو التى تسبقها، وتزايد اقبال العملاء على زيارة الفروع، أن يتزامن ذلك مع تفتيش من البنك المركزى” بحسب رزان على، موظفة بأحد البنوك العامة.
أضافت: ينافس ذلك فى الضغط كل تعليمات جديدة من البنك المركزى خاصة على عمليات السحب والإيداع.
ما قاله المصرفيون الذين تحدثت معهم “البورصة” ونشرت أسماء مستعارة لهم، لرفضهم الحديث كونهم غير مصرح لهم، لا يختلف كثيرًا عن نتائج مسح أجراه البنك الأمريكى “جولدمان ساكس” على 13 محللا فى سنتهم الأولى فى البنك، ففى المتوسط عمل كل منهم أكثر من 95 ساعة فى الأسبوع، ناموا أقل من 5 ساعات فى اليوم، إذ يخلدون للنوم بعد منتصف الليل وعلى مقياس من 1 إلى 10 أجاب الموظفون على سؤال استمرارهم فى العمل إذا استمرت ظروف العمل على المنوال نفسه، متوسط 3.5 درجة، وكانت 1 هى أقل درجة و10 أكثر درجة.
وقالوا إن ضغط العمل كان مجهد ذهنيًا وبدنيًا وعند مقارنة وضعهم الصحى قبل الانضمام للبنك عما هو عليه حاليًا فقد انخفض تقييمهم إلى 2.8 مقابل 8.8 قبل الانضمام للبنك وذلك أيضًا على مقياس من 1 إلى 10.
وقال جميع المشاركين أن ساعات العمل أثرت على علاقتهم الشخصية بأسرهم، وأصدقائهم، و77% شعروا أنهم منتهكون فى العمل فيما طلب 75% المساعدة من أطبائهم النفسيين ليساعدهم على تجاوز ضغط العمل.
وقال 92% منهم أنهم يتعرضون لمواعيد نهائية غير واقعية لإنجاز المهام، فيما شعر جميعهم أنه تم تجاهلهم فى الاجتماعات الهامة التى استعدوا لها.
هل بيئة العمل تختلف بين بنك عام أو بنك خاص؟
“أعمل حاليًا فى بنك حكومى وكنت فى السابق أعمل فى بنك خاص، الفوارق انخفضت بشكل كبير، لكن مازال هناك جانب الاستقرار يميل لصالح البنوك العامة، فيما تكون زيادات الرواتب أكبر وأسرع فى البنوك الخاصة، ولكن ضغط العمل يكون أكبر نسبيًا فى البنوك الخاصة، بحسب مدير إدارة التحول الرقمى بأحد البنوك العامة.
أضاف لكن فى نهاية الأمر هناك تنوع كبير حتى بين البنوك الحكومية نفسها واختلاف فى بيئة العمل وكذلك البنوك الخاصة، لذلك التعميم أو الحكم فى المطلق صعب، لكن أيضًا تختلف حسب الإدارات.
نصائح لموظفى البنوك لتجنب التأثير على صحتهم
وجه مصطفى أبو شقة، استشاري العلاج الطبيعي بمعهد القلب القومى، نصائح للمصرفيين، لتفادى الآثار المدمرة للوظيفة التى تتطلب تركيز مفرط يدوم لأكتر من 8 ساعات وقد تمتد إلى 10 ساعات يوميًا، والموظف جالس فى كرسيه، وعقله يتجاهل عنوة أى شعور بالألم.
أوضح أبوشقة أنه رغم الذهن المتقد للمصرفى لكن الدورة الدموية لديه ضعيفة فى العضلات، وعضلات الرقبة وأسفل الظهر تتعرض لاجهاد تدريجى إلى أن يحدث تقلصات عضلية، وتبدأ رحلة الإصابة بالانزلاق الغضروفي وخشونة الفقرات.
وأشار إلى أن الكثير منهم لا يلجأ للعلاج الطبيعي حتى تصل الأعراض، إلى تنميل بأحد الأطراف بعد ما تبدأ الإصابة بالتأثير في الاعصاب.
ووجه الموظفين لعدد من القواعد هى الالتزام بقاعدة العشرين، وهي إن كل عشرين دقيقة من الجلوس، يقف عشرين ثانية يقوم فيها باطالات للجذع والرقبة والمشى خطوتين والعودة لاستكمال العمل.
ونصح بالالتزام بنشاط واحد سواء السباحة أو الجاكوزى أو الساونا أو اليوجا، وعدم حمل أوزان ثقيلة، والذهاب للجيم مرة أو مرتين أسبوعيًا، والتركيز على أجهزة تقوية الجذع، ولوح الكتف وتمارين الكارديو.