بدأت صناعة الشحن والطيران لتوها فى خفض انبعاثات الكربون، لكن على خلاف الصناعات الأخرى، ليس لديهم العديد من الخيارات السهلة للقيام بذلك.
فالطرق التى يمكننا من خلالها تقليل الانبعاثات فى هذين القطاعين على المدى القصير هى زيادة الكفاءة، واستخدام طاقة الرياح على السفن، وخفض رحلات الطيران، ورغم أننا بحاجة إلى القيام بكل ذلك.
لكن فى نهاية المطاف، ستحتاج هذه الصناعات إلى أنواع وقود جديدة لتحل محل النفط، ومن المرجح أن يتم تصنيع هذا الوقود من الهيدروجين.
لكن الهيدروجين لا يأتي بسهولة، إذ يتم تصنيع النسخة الخضراء من الوقود عبر عملية كثيفة الاستهلاك للطاقة، لفصل جزيئات الماء بالكهرباء النظيفة – وإذا كنت تقوم بتحويله إلى وقود آخر (مثل الميثانول للشحن أو الكيروسين الصناعى للطيران)، فسيتم فقدان مزيد من الطاقة.
بالإضافة إلى ذلك، يعد تخزين الهيدروجين أمرًا صعبًا ولا يمكن نقله دون استخدام ضخم للطاقة، ولكم أن تتخيلوا كم سيكلف ذلك.
وتروج صناعة الهيدروجين للوقود الذى تنتجه كحل لجميع قطاعات الاقتصاد تقريبًا التي تحتاج إلى التحول عن الكربون – ويتم الاستشهاد به كخيار لتدفئة المنازل ولملء سياراتنا به.
ولكن هناك بدائل أفضل. وما دامت المضخات الحرارية والسيارات الكهربائية موجودة، فمن غير المنطقى تحويل الكهرباء إلى هيدروجين، بدلًا من استخدامها مباشرة.
ولعل تأمين إمدادات من الهيدروجين لاستخدامها فى القطاعات التي لا تحتاج إليه، بدلًا من التركيز على تلك التي تحتاج إليه، من شأنه أن يؤخر الانتقال إلى عالم ما بعد النفط لعقود من الزمن.
نحن بحاجة إلى التنظيم لضمان قدرة صناعات الطيران والشحن على التحول إلى الهيدروجين بدلاً من ذلك، ومع زيادة ثقة المستثمرين في الوقود مؤخراً، يتعين على الحكومات أن تتأكد من عدم إهداره.
وفى الوقت الحالى، نجح قطاع الطيران فى الاعتماد على وقود الطيران المستدام، وبات مصطلحًا شائعًا، لكن على خلاف ما يوحى به الأسم فإنه يتضمن مكون غير مستدامة أيضًا، وبالحديث مع مصادر بالصناعة قالوا إن الوقود الهجين أحد الأسباب التى تجعلهم غير مستعدين للضغط على الحكومة من أجل سياسات تُعجل تعميم الهيدروجين.
ويغطى الوقود المستدام للطيران كل شيء بدءًا من الوقود الحيوى كثيف الكربون وحتى الكيروسين الاصطناعى المصنوع من الهيدروجين الأخضر.
كما أن الكربون المُنبعث من الوقود الحيوى الذى يتم تصنيعه من المحاصيل، أكثر من المُنبعث من الوقود المُراد استبداله، ستدرك ذلك عندما تفكر في التغيير غير المباشر في استخدام الأراضي أى التحول الذى يحدث عندما يتم تحويل الحقل الذي كان يستخدم سابقًا لإنتاج المحاصيل إلى حقل للمواد الخام للوقود الحيوى.
ورغم أنه يمكن تصنيعها أيضًا من مواد أولية مستدامة حقًا مثل زيت الطهي المستعمل، إلا أن المعروض من تلك المدخلات محدود للغاية.
وفي الوقت نفسه، في عالم الشحن، تعهدت شركة ميرسك، ثاني أكبر شركة لحاويات الشحن في العالم، بالانتقال إلى الوقود المستدام. ومع ذلك، فقد أعلن رئيسها التنفيذي أنه لا يعتقد أنه سيكون هناك ما يكفي من الميثانول الأخضر المتوفر لسفن الشركة التي طلبتها مؤخرًا.
أصدر الاتحاد الأوروبي تشريعًا جديدًا لإزالة الكربون من أنشطة الطيران والشحن، لكن التشريع يشجع التحرك نحو أنواع الوقود المنخفضة الكربون، بدلا من الأنواع التى بها أدنى درجات الكربون مثل الهيدروجين الأخضر.
وفي الوقت نفسه، يرسل السياسيون إمدادات الهيدروجين المحدودة لدينا إلى القطاعات التي لا تحتاج إليها – في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، هناك خطط لتجربة التدفئة الهيدروجينية وغيرها من حلول التدفئة البديلة بحلول عام 2025.
هناك نقص مؤسف في السياسة التي تدعم إنتاج الهيدروجين الأخضر للشحن والطيران. وهذا بدوره يؤدي إلى تباطؤ الطلب وتثبيط الاستثمار، وهو ما تبرزه الفجوة بين عدد مشاريع الهيدروجين المخطط لها والعدد الذي سيمضي قدماً، وذلك بسبب قلة الطلب.
ولعل التنظيم يحفز الابتكار ويضمن هذا الطلب. إذا أرادت شركات الطيران والشحن الحصول على الهيدروجين الذي تحتاجه، فيتعين عليها إرسال إشارات واضحة إلى منتجي الهيدروجين الأخضر في أقرب وقت ممكن.
ولكن بدون تشريع، سيتعين على كلتا الصناعتين تحمل هذه التكلفة طوعًا، وكما رأينا، حتى شركة ميرسك لا تشعر بأنها قادرة على القيام بذلك. لقد حان الوقت لسد فجوة الهيدروجين من أجل مستقبل أكثر خضرة وكفاءة.
المصدر: فاينانشيال تايمز
كاتب المقال: أويف أوليرى، رئيس شركة ابرتشونتى جرين البحثية فى مجال النقل البحرى