بدأت بعض الدول المنتجة للغاز جنوب شرق آسيا، تدرك أنها بحاجة لتحقيق استفادة قصوى من احتياطياتها المحلية لضمان أمن الإمدادات والقدرة على تحمل التكاليف أثناء التحول إلى استخدام طاقة منخفضة الكربون.
لكن هذة الدول تواجه عقبات كبيرة، إحداها يتمثل في سد فجوة التي خلفتها شركات البترول الغربية الكبرى بعد أن حولت خبرتها الفنية، وعقود من الخبرة التشغيلية، إلى السعي وراء الطاقة الخضراء وأولويات جديدة أخرى.
وتعمل شركات البترول الوطنية في المنطقة والجهات الفاعلة المستقلة في مجال التنقيب عن البترول، على سد هذه الفجوة، لكن الحكومات تحتاج أيضاً إلى جذب شركات دولية ما زالت تستثمر في العثور على رواسب الوقود الأحفوري وتطويرها.
وبنفس القدر من الأهمية، تحتاج حكومات جنوب شرق آسيا إلى تحديث وتطوير الأطر القانونية والتنظيمية التي وضعتها لإدارة قطاع البترول والغاز.
عادةً ما تترجم احتياطيات البترول والغاز المتقادمة في آسيا، والتي تنافس حقول البترول والغاز الحدودية الجذابة المفتوحة في أفريقيا، إلى حاجة لحوافز أقوى لجذب الدولارات الاستثمارية النادرة.
ومع توقع استمرار دفع أوروبا مبالغ كبيرة لسحب إمدادات الغاز الطبيعي المسال، لتحل محل تدفقات الغاز عبر خطوط الأنابيب الروسية التي فقدت مع اندلاع حرب أوكرانيا، سيكون من الخطر بالنسبة للاقتصادات الآسيوية الحساسة للأسعار الاعتماد على زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال كجزء من خططها لإزالة الكربون.
ورغم أن هذا الوعي دفع بعض الدول الفقيرة بالموارد في المنطقة إلى الاعتماد بشكل أكبر على الفحم والوقود الحيوي ومصادر الطاقة المتجددة وحتى الطاقة النووية، إلا أنه من الواضح أن الدول التي تمتلك احتياطيات غير مستغلة من الغاز ستحتاج إلى مضاعفة عمليات الاستخراج.
وربما تجد تايلاند وفيتنام والفلبين الغنية بالغاز، والتي أصبحت مستوردة للغاز الطبيعي المسال في مواجهة انخفاض الإنتاج المحلي، أن دعم إنتاجها قد يكون مفيدًا لاستقرار العرض والقدرة على تحمل التكاليف.
وتتطلع إندونيسيا، التي تراجعت صادراتها من الغاز الطبيعي المسال وسط تضاؤل إنتاج الغاز حتى مع ارتفاع الطلب المحلي على الطاقة، إلى منح قطاع التنقيب والتنقيب لديها فرصة ثانية.
اقرأ أيضا: السفر المحلى يُنعش السياحة فى جنوب شرق آسيا
تهدف جاكرتا، الآن، إلى مضاعفة إنتاج الغاز لنحو 12.4 مليار قدم مكعب يوميًا بحلول 2030 بعد أن عانت من انخفاض في إنتاجها بنسبة 24% تقريبًا العقد الماضي.
كما تعتقد أن لديها فرصة ضئيلة قبل أن يصعب تأمين تمويل المشاريع حتى بالنسبة لتطوير الغاز.
وتأمل البلاد أن تمهد صفقات “شل” و”شيفرون” لبيع حصص في مشاريع الغاز الكبرى، التي توقفت في الأعوام الأخيرة، الطريق أمام المساهمين الجدد، وهم شركة “بيرتامينا” الإندونيسية و”بتروناس” الماليزية و”إيني” الإيطالية، للمضي قدمًا في التنمية السريعة.
لكن إندونيسيا ستحتاج إلى التحرك بسرعة وبشكل عملي للتفاوض على الشروط مع المُلاك الجدد.
ربما تكون شركات البترول الوطنية في المنطقة معتادة على تنفيذ عطاءات الدولة، لكنها ما تزال بحاجة إلى شروط تنافسية لتطوير مشاريع بمليارات الدولارات بسرعة وفعالية.
وتريد تايلاند المجاورة، تجنب تكرار ما حدث في 2022، عندما دفعت ثمنًا باهظًا مقابل زيادة بنسبة 26% في أحجام واردات الغاز الطبيعي المسال، كما أنها تضغط على شركة “بي.تي.تي” الحكومية للتنقيب والإنتاج لزيادة إنتاج الغاز.
في الوقت نفسه، تخطط الفلبين وفيتنام، اللتان ظهرتا للمرة الأولى كمستوردين للغاز الطبيعي المسال خلال العام الحالي، لتحقيق زيادات طموحة في قدرة توليد الطاقة المحلية على أساس الحصول على كميات متزايدة من الوقود من الخارج، لكنها لم تحصل على أي عقود طويلة الأجل، ما جعلها عرضة لتقلبات السوق الفورية والأسعار التي لا يستطيع المستهلكون استيعابها.
ويستهدف المخطط الرئيسي الأخير لفيتنام إنتاج الغاز المحلي بما يتراوح بين 5.5 مليار و15 مليار متر مكعب سنويًا بحلول 2030، ويعزى النطاق الواسع إلى انعدام اليقين بشأن استكمال مشروعين رئيسيين لتوليد الطاقة من الغاز.
اقرأ أيضا: اقتصادات جنوب شرق آسيا تقتنص فرص التحولات العالمية الجديدة
ولتنفيذ هذه المشاريع، يجب على الوحدات الحكومية المركزية والإقليمية المشرفة على التجارة والصناعة والكهرباء والبترول والغاز وتمويل المشاريع، أن تنسق بشكل فعال فيما بينها.
وربما تكون الفلبين في الوضع الأكثر خطورة، خاصة أن حقل مالامبايا، وهو حقل الغاز الوحيد في البلاد، يُتوقع أن يجف بحلول 2027، ولا توجد احتياطيات محلية أخرى معروفة يمكن استغلالها.
تحدث الرئيس فرديناند ماركوس جونيور مؤخرًا عن الضغط لإجراء مزيد من التنقيب عن الغاز حول البلاد، لكن ستكون هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات سريعة.
ويُتوقع أيضًا أن تكثف مانيلا الجهود المتوقفة للتوصل إلى اتفاق مع الصين للتنقيب المشترك عن المياه الغنية بالبترول والغاز المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي.
وأخيرًا، حتى لو ثبت أن الغاز المحلي أرخص من الغاز الطبيعي المسال المستورد، فإن دول جنوب شرق آسيا بحاجة للنظر في التخلص التدريجي من غاز التجزئة والحد الأقصى لأسعار الطاقة، لأن ذلك يؤدي إلى عدم كفاءة السوق ويعيق الاستثمار.
لاشك أن إحياء وتنشيط قطاع التنقيب والإنتاج في المنطقة أمر حكيم، لكن لا يمكن السماح لهذه الجهود مواجهة سياسة أو روتين، كما يتعين على صُناع السياسات تسهيل هذه الحملة بأسرع شكل ممكن.