الوضع الطبيعى للأسواق ان تترك لقوى العرض والطلب، إلا أن بعض الحالات تؤدى إلى انحراف وضع السوق عن الوضع الأمثل لتخصيص الموارد، وهو ما يسمى بـ«الفشل السوقي»، وفى حالة حدوث فشل سوقى أو عدم التخصيص الأمثل للموارد، فمن الطبيعى ألا تترك الحكومة الملعب، فستتدخل لإصلاح فشل السوق وإعادة التوازن الاقتصادي.
إلا أن التدخل الحكومى لإصلاح فشل السوق قد يفقده احتمالية رجوعه إلى الوضع الأمثل لتخصيص الموارد، وبالتالى ينتج «الفشل الحكومى»؛ فالتدخل الحكومى سيؤدى إلى نتيجة أسوأ مما لو ترك السوق يعمل حراً وفقاً لمبدأ Lassaiz Fair Lassaiz Passer.
وبناءً على الفشل الحكومى فى تخصيص الموارد تلجأ الحكومات إلى ما يعرف بالإصلاح الاقتصادي، أى العودة مجدداً إلى دائرة حرية السوق، ويتم اخذ قرار ترك السوق وفقا لقوى العرض والطلب، وتبدأ الحكومة رفع يدها شيئاً فشيئاً عن آليات الاقتصاد لتتركه يعمل وفقاً لقوى العرض والطلب.
وينطبق الأمر على مصر من خلال اتباعها برنامجاً للإصلاح الاقتصادي، والذى بدأته بتعويم الجنيه، ليتم تحديد سعر الصرف وفقاً لآليات العرض والطلب، تواكب ذلك مع تطبيق برنامج إصلاحي يستهدف أن تترك الحكومة السوق وفقاً لآليات العرض والطلب، وتحجم من تدخلها ليكون فى إطار رسم السياسات ووضع القواعد المنظمة.
كما تجسدت خطوات الإصلاح الاقتصادى فى تقليص حجم الدعم تدريجياً، واستبداله بالدعم النقدى الموجه للأفراد والأسر الأكثر احتياجاً بدلاً من الدعم السلعى الذى يستفيد منه الجميع دون تفرقة.
وبدأت بشائر تلك الإجراءات بالتحرير التدريجى لأسعار المحروقات، بالإضافة إلى التحرير التدريجى لأسعار الكهرباء، وتحريك أسعارها وفقاً لشرائح الاستهلاك. فتلك الإجراءات الإصلاحية المتتالية أثرت بلاشك على أسعار جميع السلع والمنتجات المحلية والمستوردة، وسيعانى منها الجميع، فحوالى 28% من حجم سكان مصر يقعون تحت مستوى خط الفقر، بالإضافة إلى أن الطبقة المتوسطة وفوق المتوسطة وتشكل نحو 55% من عدد سكان مصر، وبالتالى ستقع المعاناة على نحو 83% من حجم سكان مصر.
لكن هل تساءلنا عن مدى تأثير تلك الإصلاحات على أسعار الدولار، فهل سيرتفع سعره مثل باقى الأسعار أم ما هى التوقعات؟، ففى رأيى المتواضع أنه نظراً لارتفاع الأسعار، فحتماً ستتأثر سلبياً القوة الشرائية للأفراد، وسينخفض استهلاكهم للسلع والخدمات، وهو ما سينعكس على خفض الإقبال على السلع المستوردة، ومن ثم انخفاض الطلب على الدولار، وبالتالى أتوقع انخفاض سعر الدولار كنتيجة طبيعية لضعف القوة الشرائية المنعكس على انخفاض الإقبال على العملة الأجنبية.
ولكن هل انخفاض القدرة الشرائية كفيل بتثبيت أسعار الدولار عند مستوياته المنخفضة مستقبلاً.
الإجابة ستكون من خلال استثمار الجهود الإصلاحية المتمثلة فى إعادة تأهيل البيئة الاستثمارية، والإصلاح المؤسسى المعنى بالصناعة والتجارة، وإصلاح منظومة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فعلى الحكومة والمواطنين أن يعملا على استثمار تلك الجهود مجتمعة، على أن تكون نقطة انطلاق الاقتصاد المصري، هى زيادة الإنتاج المحلى والصادرات نتيجة زيادة الاستثمارات، وهو الأمر الذى سينعكس على قوة العملة المحلية امام الاجنبية وذلك لتفادى اشتعال سعر الدولار مجددا.
فقوة العملة المحلية من قوة اقتصادها، فلا أميل إلى فرضية أن انخفاض قيمة العملة المحلية سينعكس على تنافسية الصادرات نتيجة انخفاض أسعارها، فالتنافسية ببساطة تعنى زيادة جودة المنتج المحلي، مع انخفاض الأسعار، وبذلك أحقق التنافسية للصادرات.
وباستثمار الجهود الإصلاحية سيزيد الإنتاج المحلي، وسينعكس ذلك إيجابياً على قوة العملة المحلية امام مختلف العملات الاجنبية وليس الدولار بمفرده، ومن ثم القضاء على الفشل الحكومي.
خبير اقتصادى
[email protected]